طلال الهيفي
شعار «عفوا.. منعا للاحراج» دائما ما يذيل لوحة الاعلانات والمكاتب، ويتكرر يوميا هنا وهناك لعدة أسباب، وأحيانا نلاحظه ولا نبدي أي اهتمام له، وإن كنت أرجع هذا التجاهل إلى جانب غريزي في شخصيتنا المتناقضة، إلا أن هذا الشعار له قصة واقعية مررت بها وقصدت أن أحكيها من باب المعالجة إن كان هناك في الاصل إصلاح.
وقد تمثلت هذه التجربة لي قبل أيام قليلة مضت أثناء مراجعتي لاحد المستشفيات الحكومية ومع القيام بالاجراءات الروتينية المعتادة مررت بجانب ملصق على الحائط ينبه الكادر الطبي وفحواه كما يلي: «عفوا.. منعا للاحراج على الدكاترة إحضار الشاي والقهوة الخاصة بهم» انتهى التنويه، لاصعق من هذا الشعار الرخيص المعلن داخل المستشفى الحكومي ولتأخذني التساؤلات هنا وهناك لعلي أجد تفسيرا مقنعا لهذا الاعلان الشاذ، إلا أنني عجزت ورثيت لحال أصحاب القمصان البيضاء ومن يوازيهم في هذا البؤس، والى أي مدى وصلت الامور، فكيف تريدون أن يبدع الدكتور في عمله الدقيق إن كانت كمالياته مفقودة في مهنة يتطلب لمن يزاولها الاستقرار والراحة حتى يتمكن من تقديم ما هو مطلوب منه بالشكل السليم بعيدا عن التشتيت في توافه الامور، أسئلة تعددت لا تجد لها مبررا، أين هي الجهة المخولة بتوفير الخدمات للطاقم الطبي أم أن هذه الجهة أصابها العلل كما جرى للجسم الطبي؟!
فمقــارنة لما نشـــاهده من بــذخ في وزارات ومؤسســات الدولة المختــلفة من كــرم طـــائي لامحدود، خصوصا في عروش القياديين نجده يميل لمصلحتهم ويتوقف تحديدا عند هذا المستشفى المنكوب، لذلك لا ألوم هجرة الكوادر الطبية على مختلف مشاربها والعزوف عن العمل بالحكومة وتفضيل القطاع الخاص في ظل هذه الادارة العائمة، مع العلم أن وزارة الصحة حظيت بمباركة أميرية عبر تخصيص ميزانية ضخمة لها تفوق جميع نواقصها ومشاكلها، إلا أن هذا الخلل يتراءى لنا بشكل مستمر وخصوصا بعد هذا الاعلان المبكي الذي يصور لنا واقع ما آلت إليه الامور في وزارة الصحة التي باتت محرقة الاكفاء.