في نهاية التسعينيات تدنت أسعار برميل النفط إلى ما دون العشر دولارات، ويومها توقفت كل المشاريع التنموية، وأذكر أيامها أن أصواتا ظهرت تحذر من أن كل شيء في البلد سيتوقف وأن الحكومة ستكون عاجزة عن دفع الرواتب خلال فترة قصيرة، بل وبلغ التشاؤم حدا القول إن الحكومة ستقلص الرواتب وتقوم بفرض ضرائب على المواطنين، وخلال عام كامل استمر الحديث يدور في فلك التقليص والتقشف وشد الحزام وتعطل البلد، ولكن ورغم بلوغ سعر برميل النفط نحو 7 دولارات إلا أن أيا مما دار الحديث عنه من تقليص وتقشف وشد حزام وربط لم يحدث، وتم إقرار ميزانية الدولة بعجز يوازي الثلث تقريبا، واستمرت الحياة وصرفت الرواتب ودارت عجلة الاقتصاد وما هي سوى اشهر حتى عادت أسعار النفط للارتفاع وتوقف الحديث تماما عن التقشف والعجز، وبعدها بدأت أسعار النفط بالارتفاع فمن أقل من 10 دولارات إلى ما فوق الـ 15 دولارا إلى الـ 20 فالـ 50 حتى تجاوز الـ 100، وبلغ حاجز الـ 120 واستمر على ارتفاعه ذلك طوال الـ 15 عاما الماضية، حتى نهاية العام الماضي عندما بدأت أسعار النفط تهوي بشكل متسارع لتخسر في 10 أشهر ما حققته من ارتفاع طوال 10 سنوات، والآن ومع هبوط سعر برميل النفط إلى دون الـ 40 دولارا عاد الحديث عن التقشف وتقليص المصروفات وزيادة الرسوم، كما حصل نهاية التسعينيات.
والحقيقة أن شيئا من هذا لن يحدث، فلن تمس الرواتب ولن تتم زيادة الرسوم ولا الخدمات ولا حتى رفع الدعوم، لأنها مجرد حلول حكومية تطرح دائما في مثل هذه الحالة النفطية.
الغريب أن الحكومة لا تفتح فكرة تنوع الدخل إلا عندما تهبط أسعار النفط، والأغرب أن الحكومة لا تفكر في دراساتها لزيادة الدخل أو لتعويض العجز سوى من جيب المواطن المسكين، وهذا الأمر أو هذا النمط الحكومي بالتفكير يجب أن يتوقف، ويجب ألا يطرح، فتنوع الدخل لا يكون من جيب المواطن ويجب ألا يكون من جيب المواطن لا في حالة الرخاء ولا في حالة الشدة.
بل إن على الحكومة وكنوع من اللياقة السياسية أن تخرج وتعلن أن أي معالجة لعجز الميزانية لن يمس دخل المواطن بأي شكل من الأشكال، فلربما لا تعلم الحكومة حجم النفس التشاؤمي المحبط الذي يصـيب الغالبية من المواطنين حيال خروج تسريبــات عن أن معالجة خلل الميزانيـــة سيمـــر عبر جيب المواطن.