فضيلة الانتظار والصبر بمفهومي هي الخلق المثالي والحس العالي الذي فضلت امتلاكه، لأن الضدية والمزاحمة تصرف أمقته لذاته ولكن أجيد استخدامه في حينه وموعده.. وإن ما يحدث الآن من تجاهل متعمد لحقوقنا يجعلني أنحي هذه الفضيلة وأبحث عن الوسيلة التي قد تساعد على انتزاع حقوقنا المسلوبة، فقد آن الأوان وهو كذلك من زمان أن أضع الحق في الميزان، وأرفض أول ما أرفض أن أكون المواطنة المتفرجة المتلقية، ونترك لجنة المرأة في مجلس الأمة تتفرد بقانون إقرار الحقوق المدنية للمرأة فتوسعها وتعممها لشرائح بعينها وتضيقها وتخصصها على الأخرى، «فالحق حق لا يمكن استثناؤه».. ولجنة المرأة تجاهلت عن إصرار وتعمد، وصمت آذانها عن تكاثر الأصوات التي تدعو الى المطالبة بإقرار حق الرعاية السكنية لشريحة العازبات والأرامل والمطلقات دون أولاد، هذه الشريحة التي لم تدخل ضمن حسابات لجنة المرأة لسبب بسيط جدا، وهو أن لجنة المرأة منشغلة بتحقيق الأجندة الحكومية، هذه الشريحة مغيبة منذ سنوات طويلة في نيل الرعاية السكنية الحكومية كاستحقاق وطني إنساني اجتماعي يكفله لهن الدستور ويضمنه لهن القانون، ويفرض أحقيته اتساع رقعة المطالبة بشكل عام في إطار الحقوق المدنية للنساء، وتغير بعض الأنماط المجتمعية والحياتية التي باتت تفرض التعامل مع المرأة كنظير للرجل لها احتياجات مجتمعية ليس من المقبول بعد هذا التطور الحياتي رفضها أو تجاهلها، فحقوق هذه الشريحة ما كانت ولن تكون الخطر الداهم ولم يكن مطلبها غير ملائم، بل إن غير المقبول وغير الملائم هو الذي يساهم يوميا بإغفال الحقوق الدستورية عن سابق إصرار وتعمد.
إن هذا الحق ينطلق من أساسيات موجودة بوضوح في الدستور كما حرص على نص المادة (7) ونص المادة (29) والتي جاء تفسيرها على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بصفة عامة، ثم خصت بالذكر أهم تطبيقات هذا المبدأ بقولها «لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين» وقد آثرت هذه المادة ألا تضيف إلى ذلك عبارة «أو اللون أو الثروة» ـ برغم ورود هذه العبارة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ـ وذلك لأن شبهة التفريق العنصري ـ لا وجود لها في البلاد، فضلا عن كفاية نص المادة في دفع هذه الشبهة.. كما أن التفريق بين الناس بسبب الثروة أمر منتف بذاته في المجتمع الكويتي، فلا حاجة للنص على نفيه بحكم خاص، وأتمنى على من وثقنا بهم من نواب الأمة وتحديدا النائبات قراءة تفسير النص مرات ومرات، فالدستور أسند اليكم يا نواب الأمة أمانة حفظ حقوق المواطنين دون تمييز أو تفرقة، ومن أهم احتياجات هذه الشريحة التي تحقق الحفاظ على كرامتها الإنسانية وتقوي أواصر المجتمع.. الرعاية السكنية، والكل يعلم أن من صميم مهام الدولة توفير الرعاية السكنية ومقومات العيش العفيف والكريم والبيئة المناسبة للحياة الكريمة برعاية شاملة للموا طنين دون تميز أو تفرقة.. خاصة أن أعداد شريحة العازبة والأرملة والمطلقة التي لم تحظ بأولاد بلغ ما يقارب (100 ألف) امرأة عازبة بلغن سن الـ 45 فضلا عن أعداد المطلقات والأرامل والعازبات دون سن الـ 45 التي لم تدرج ضمن هذا العدد المهول، وهذا الرقم المخيف مثل وضعا حرجا للمؤسسة عن الملف الإسكاني في الحكومة ما جعلنا نقرع الجرس مرات ومرات.. وأستغرب ألا تستدعي هذه الأعداد الهائلة صحوة الجانبين الحكومي والنيابي، والوقوف وقفة جادة لإنصاف هذه الشريحة وإرجاع حقوقها المسلوبة.
بعد الملاحظة والتدقيق وجدنا أن المشكلة الحقيقية هي حالة عدم الانسجام الكامل بين الحكومة والمجلس مع نصوص الدستور كما أرادها المشرع الدستوري أكثر تمسكا بحقوق المواطنة، فالحقوق والحريات العامة هي أساس الدولة الحديثة وإن إقرار هذه الحقوق يتم من خلال ركيزتين الأولى مرتبطة بالفرد وليست مرتبطة بالجنس ذكر أو أنثى، والثانية مرتبطة بمبدأ المساواة، وهذا الشكل إن لم يفعل نصوصه بالقانون، وما لم تكن المنظومة التشريعية المواكبة لتفسير نصوص الدستور تقوم بهذه الصورة بكل تأكيد سيتنافى عملها فيما ورد في العقد الاجتماعي المسمى بالدستور.
أيها الأحبة.. تحركي الميداني لم يكن مفروشا بالورود، فقد التقمت المرار وسعيت متكلة على المطلع القهار وأعددت مشروعا إسكانيا استندت فيه على المواد (7) و(11) و(29) من الدستور، فالمادة (11) أقرت أن للفرد حق المعونة الاجتماعية الملائمة للعيش الكريم والعفيف، والفرد في هذا الحق يرجع للدولة.. أي ان الدولة مطالبة بتوفير حق العيش الكريم لمواطنيها دون تمييز، فهل يعقل يا حكومة ويا نواب الأمة أن تتحدث هذه المادة عن العيش العفيف والكريم وأنتم تستثنون فئة دون فئة؟ فلا القانون ولا الموقف التشريعي ولا أعلاهم بالضرورة الدستور يقبل بهذه الحالة الاستثنائية الشاذة وغير المتوائمة مع مفهوم المساواة والعدالة الاجتماعية، والقانون رقم (47) لسنة 1993 بشأن الرعاية السكنية جاء لكي يوفر الرعاية السكنية للمواطن والمواطنة على حد سواء.. أي ان القانون بمخاطبته كان معنيا بالمواطن الكويتي وليس معنيا بالجنس، ولما كان القانون رقم (47) لسنة 1993م وفقا للمادة (14) يقتصر في توفيره للرعاية السكنية على الأسرة الكويتية وهي التي تتكون وفقا لهذا القانون من أب وأم كويتيين أو أب كويتي وابنه أو ابنته الكويتيين ولم يأت بذكر الحالات الثلاث سالفة الذكر فالقانون بصياغته الحالية قد أغفل شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي وهي شريحة الثلاث حالات، وهذا التقنين فيه مخالفة دستورية واضحة وصريحة، والدستور الكويتي لا يمكن أن يقبل بهذه الحالة الشاذة في التمييز والتفرقة، فهناك حاجة تشريعية ملحة لتعديل القانون لإقرار هذا الحق على نحو تتحقق معه العدالة الاجتماعية لأن السكن حق أصيل لا يمكن لقضاء أن ينازع فيه فالأمر يستلزم التدخل السريع لحل هذه الإشكالية..لذا نطالب باسم الأمة.. إن كان العيب في التشريع فلتسارعوا بمعالجته، وإن كان العيب في التفسير فلتقوموا على تصحيحه لإنصاف هذه الشريحة المحرومة.
تقدمت باقتراح للنائب مسلم البراك وتلقيت وعدا منه بأن تتبناه كتلة العمل الشعبي.. نصت مادته الأولى «على أنه واستثناء من أحكام الفقرة الأولى تقوم المؤسسة العامة للرعاية السكنية بتوفير المسكن الملائم للكويتية العازبة والأرملة والمطلقة دون أولاد التي تجاوزت سن الأربعين على أن يكون ذلك بصفة التملك» ويوم التصويت على القانون ستسقط الأقنعة.
أشكر النائب مسلم البراك «ضمير الأمة» والمحامي نواف الفزيع «محامي الأمة» لدعمهما لقضايا المرأة وتلبيتهما دعوتي مما كان له الأثر الطيب والفعال في إنجاح الندوة الإسكانية «سكن العازبة والأرملة والمطلقة دون أولاد بين الحق وواقع الحال»، كما أشكر النائب د.فيصل المسلم على مشاركته وإن كانت صدمتنا فيه كبيرة بخصوص رؤيته بشأن الرعاية السكنية للفئات الثلاث.. وأي عزاء للنساء يا د.فيصل.
[email protected]