عندما نقرأ القرآن نقف أمام آيات، ونربط بينها وبين آيات أخرى، فيتضح لنا الفهم، ونستدل بالآية الكريمة على الأخرى، فتتوسع مداركنا، ويتعاظم فهمنا، فتنتظم الأدلة، وتنساق البراهين على عظمة الخالق عز وجل.
بينما كنت أقرأ في كتاب الله - جل علاه - وصلت إلى آية كريمة تتحدث عن القلب فتقول: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) «10 البقرة»، وتوقفت طويلا أمامها وتساءلت هل يقصد رب العزة - سبحانه وتعالى - ذلك العضو الذي يقع في القفص الصدري ناحية اليسار، ذلك العضو الذي درسناه تفصيليا في جنبات كليات الطب فاتضح لي على الفور أن المقصود بالقلب ليس ذلك العضو المتعارف عليه، وإنما شيء آخر انظر إلى قوله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) «37 ق».
من هذا المنطلق يتضح جليا أن المقصود بالقلب شيء سام ورفيع، يختلف عن عضو الجسم المتعارف عليه شيء يتعلق بالروحانيات التي لا يستطيع علاجها طبيب، ولا شفاءها حكيم درس في جنبات كلية الطب البشري، وإنما تحتاج إلى معالجة إيمانية، وروحانية إن هي مرضت.
انظر عزيزي القارئ إلى قول المولى - عز وجل -: (كلا بل ران على قلوبهم) «المطففين 14» فسيتضح أمامك الأمر جليا، وستتأكد أن كل هذه الآيات الكريمة تؤكد أن القرآن يرى الإنسان في جو روحي معنوي عال، ومن هنا كان لزاما على الإنسان أن يحافظ على هذه الروحانيات نظيفة نقية، ليؤكد لنا حقيقة راسخة بما لا يدع مجالا للشك أن الإنسان إن صلحت نفسه وروحه وتلك القوة القلبية الخفية فيه صلح ظاهره وباطنه، ووفقه الله - عز وجل - إلى ما يحبه ويرضاه.
كل هذا يدل على أن الإنسان محاط بهالة روحانية لا بد أن يحافظ عليها، ويغذيها ليتواصل بها مع رب الأرباب، وملك الكون وخالقه ومدبره سبحانه وتعالى عما يصف الظالمون والمشركون، فهنيئا لمن كان عبدا ربانيا يتواصل مع الله السميع العليم فيحفظه بحفظه ويكلؤه برعايته.