تعتبر أسواق المال احدى المنظومات الرئيسية في الاقتصاديات الحديثة فهي تمثل انعكاس مدى قوة الاقتصاد من خلال أوضاع هذه الشركات المدرجة فيه، ولقد عانى العالم من أزمات عديدة مالية هزت الاقتصاديات الدولية بسبب غياب الرقابة وهيمنة ذوي النفوذ وتلاعبهم بهذه الأسواق بهدف الكسب غير الشريف وأيضا غياب المعلومات والشفافية، مما حدا بكثير من دول العالم لإنشاء هيئات سوق المال وفق نظم رقابية متشددة لمنع مثل هذه التلاعبات والرقابة على الأداء بما يضمن عدم وقوع أزمات رئيسية تهز الاقتصاد، ولقد قام الاتحاد الأوروبي مؤخرا بإنشاء نظام جديد للرقابة يشرف على أسواق المال للحيلولة دون وقوع أزمات في المستقبل، ولقد صرح وزير الاتحاد بأنه يجب أن يكون لدينا سلطات اشراف أوروبية لها جهاز اقتصادي محلي، وجهات اشراف على البنوك ومؤسسات التأمين وأسواق المال.
ولقد قامت جميع دول الخليج بتأسيس أسواق المال وعلى رأسها السعودية التي باشرت الهيئة لديها بأعمالها، وللأسف الكويت كانت آخر دولة خليجية تنشئ هيئة سوق المال، بالرغم من أن السوق الكويتي كان ولايزال يعاني من غياب التشريعات الرقابية، والشفافية في المعلومات وهيمنة كبار رؤوس الأموال على السوق والتلاعب به، والتداولات الوهمية لرفع الأسعار والشركات الورقية، وغياب أنظمة الحوكمة التي تحكم أعضاء مجالس ادارات الشركات وغيرها مما أثر على أداء السوق وتعرضه لأي هزة يؤدي الى سقوط كبير في أدائه، وتاريخ اقتراحات انشاء هيئة أسواق المال مر بعدة مراحل، بدأت عام 2004 باقتراح من عضو مجلس الأمة السابق عبدالوهاب الهارون، الا أن هذا الاقتراح لم يلاق حظه بالقبول، ثم عام 2006 قام سوق الكويت للأوراق المالية بالاتفاق مع مكتب الشال الذي قام باعداد المشروع من 86 مادة، ثم المشروع الثالث لفريق من وزارة التجارة، برئاسة الدكتورة أماني بو رسلي، ثم أخيرا قدمت الحكومة عام 2008، قانونا بشأن انشاء هيئة أسواق المال عام 2008 مع الأخذ بالاعتبار كل المشاريع المقدمة، وبعد مناقشته في مجلس الأمة صدر هذا القانون في مارس 2010.
مميزات القانون
1 - ملأ القانون فراغا تشريعيا في مجال الرقابة، وافصاح المعلومات، والشفافية، والعقوبات الجزائية والمالية على المعاملات الوهمية والخداع والغش، ووجوده ينتظر في حالة تطبيقه بشفافية أن يحدث نقلة نوعية في تنظيم أسواق المال في الكويت، وله تأثير ايجابي على تحسين المناخ وبيئة التداولات في سوق الكويت للأوراق المالية.
2 - تركيز القانون على توعية المتداولين وحمايتهم في أكثر من مادة، يعطي دلالة على أهمية دور صغار المتداولين الذين يمثلون 70% من حجم التداول في سوق الكويت للأوراق المالية.
3 - القانون فصل بين الرقابة والأداء وهذا تعزيز لفصل التشريع والرقابة عن الأداء لتفعيل مبدأ الشفافية، حيث جعل لهيئة المفوضين الحق في الرقابة على أداء البورصات.
4 - القانون أجاز انشاء أكثر من بورصة، وهذا من شأنه أن يعزز مبدأ اللامركزية وانشاء البورصات الأخرى غير الكويتية.
5 - أعطى القانون الفرصة للمواطنين للاستفادة من انشاء البورصات من خلال تكوين الشركات العامة المساهمة 50% منها للمواطنين.
6 - فصول القانون الثلاثة عشر، أعطت الصفة الشمولية لمفوضي الهيئة في ادارة ورقابة أسواق المال فغطت جميع الجوانب.
عيوب القانون
1 - إلحاق الهيئة بوزير التجارة، لم يكن في محله، وكان الأجدر إلحاقها بنائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، أو رئيس الوزراء، لدور الهيئة الرئيسي في الاقتصاد الكويتي، والحاجة الى قرارات رئيسية، ونص القانون في عدة مواد على اعطاء تقارير لرئيس الوزراء، وقد يفسر تعثر وزير التجارة في تشكيل مفوضية الهيئة الى غاية تاريخه بسبب عدم قدرته على مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية بشأن مفوضي الهيئة وآلية اختيارهم.
2 - مادة (3) التي حددت أهداف الهيئة كانت قليلة وكان الأجدى والأولى التوسع في وضع الأهداف، مثل دور الهيئة في المساهمة في تنمية الاقتصاد، وتوجه الهيئة الى الرقابة والحمائية وكان الأجدى اضافة التنمية والتطوير في أداء أسواق المال، والنص على أهمية بناء هيئة استراتيجية بعيدة المدى لأسواق المال في الكويت بالرغم من وجود مواد نصت على موضوع الرقابة الا أنه كان من الأفضل توضيح دور الرقابة الداخلية والخارجية على أداء الهيئة الاداري والمالي.
3 - لعل من المشاكل التي تعانيها المؤسسات والهيئات العامة في الكويت، عدم وضع شروط لشاغلي الوظائف القيادية، والتي في حالة قدوم قيادي بسبب المصالح السياسية والاقتصادية، من دون الخبرات والقدرات الادارية والاستراتيجية، فانه يفرغ القانون من أهدافه ويحول وجود الهيئة من ايجابي الى سلبي وعبء على الدولة وميزانيتها، ولذا فمن عيوب القانون أنه لم ينص على الشروط الواجب توافرها في رئيس الهيئة ونائبه وواجباتهما، واكتفى القانون بالنص على تعيينهما من قبل مجلس الوزراء.
4 ـ من الأمور التي يجب مراقبتها وتنظيمها وجذبها هي رؤوس الأموال الأجنبية والتي لم ينظمها القانون والتي تلعب دورا رئيسيا في تنمية أسواق المال العالمية.
5 ـ كان الأولى الاستفادة من تجارب الآخرين وعمل التحالفات معهم، وأيضا النص على توفير البيئة المناسبة للاستثمار.
6 ـ النص على عدم قيام الهيئة بأي نشاط تجاري هو صحيح ولكن ليس على إطلاقه، فالمفروض بالهيئة أن تسعى إلى بناء مقر رئيسي لها يتصف بالحداثة العمرانية الذكية، وتوفير المواقف والمحلات والأسواق التجارية وصالات التداول الرئيسية سواء بالأسهم الأجنبية أو الأقليمية أو العربية، فهيئة المال السعودية قررت بناء مبنى ضخم من 77 دورا يعتبر من معالم مدينة الرياض، وهكذا في دبي، فالمبنى الحالي بالرغم من جماله إلا أنه لم يعد يسع المتداولين والشركات الوسيطة وإدارة البورصة، فالمفروض توفير مبان ملاصقة له لها القدرة على استيعاب التوسع في أنشطة الهيئة.
7 ـ لم يتطرق القانون إلى حوكمة الشركات رغم أهميته في الرقابة على أعضاء مجالس إدارات الشركات، والبدء في تطبيقه في مختلف دول العالم ومنها دول الخليج.
8 ـ يتضح من قراءة نصوص القانون أن النفس الرقابي فيه أكثر من النفس الإصلاحي والتنظيمي، وهذا قد يكون بسبب الأزمات المالية المتلاحقة التي أصابت سوق الكويت وأسواق العالم، وهذا يجب ألا يدعنا نهمل جوانب التنظيم والتطوير والتنمية.
9 ـ هناك ملاحظات جيدة من قبل اتحاد الشركات الاستثمارية على القانون أهمها:
ـ لم يوضح القانون العلاقة بين الهيئة والسوق ومصادر أموالهما، وفي حالة العجز كيف ستغطي موازناتهما.
ـ لم يجبر القانون الشركات المساهمة على الإدراج.
ـ تجاهل القانون بعض التعريفات الهامة مثل السوق الأولي والسوق الثانوي والرئيسي.
أهمية تطبيق القانون
من مشكلات إصدار القوانين في الكويت بالأخص من وزارة التجارة هو تلكؤها وتأخرها في تطبيق القوانين الصادرة، مثل قانون المنافسة الذي لم يطبق منذ عام 2007، وقانون هيئة أسواق المال الذي من المفترض تطبيقه بعد اختيار مفوضي الهيئة وقد أعطيت فترة 3 شهور لذلك، والآن مرت الثلاث شهور وما زالت بورصات الترشيحات تتوالى، ونحن هنا نرى أهمية السرعة في التطبيق لحاجة سوق المال في الكويت إلى هذا القانون، وأيضا لا يسعنا إلا أن ننوه إلى أهمية اختيار رئيس لديه الخبرة الملائمة واتصافه بالنزاهة والحيادية والقدرة على تطبيق القانون واتخاذ القرار، وأن يملك رؤية واضحة حول دور الهيئة في الاقتصاد المحلي.
كيفية حماية أسواقنا من الأزمات المالية
لعل من أهم أهداف الهيئات المالية في العالم هي حماية اقتصادات دولها وأسواقها المالية من الوقوع في أزمات مالية مجددا تسبب الانهيارات في الاقتصاد، ولعل دور الهيئة الرقابي يعزز هذا الدور ولكن لابد هنا أن يكون لديها إدارة أو جهاز للأزمات المالية، يقوم بوضع الحماية للسوق من تأثره بالأزمات العالمية كما يضع خطة واضحة لمواجهات الأزمات من خلال دراسة الأزمات المحتملة ووضع سيناريوهات التعامل معها قبل وقوعها للتخفيف من أثرها في حالة حدوث هذه الأزمات، وهذا هو الاتجاه العالمي حاليا لإدارة الأزمات.
(يتبع الجزء الأخير: الحلول المقترحة لدور البورصة الاقتصادي)
[email protected]