الدور التشريعي والرقابي للبرلمانات مهم جدا في التطور الاقتصادي والتنمية، فالتشريع يساعدنا على اللحاق بركب التطور الاقتصادي العالمي وأيضا يساعدنا على اللحاق بركب التطور التكنولوجي السريع والتطبيقات الإدارية الحديثة ولا يخفى أن العالم بدأ يطبق مبادئ اقتصادية حديثة في التنمية وتطوير الخدمات العامة مثل الخصخصة والبي أو تي، وإعادة اختراع الحكومة، والحوكمة...الخ، ومجلس الأمة الكويتي والحكومة كانا أكثر من رائعين في هذه الدورة ونخص هنا الإخوة الأفاضل في اللجنة المالية الذين أعطوا التشريعات الاقتصادية أولوية في عملهم كما نشكر إخواننا النواب الذين وافقوا على هذه القوانين، ومن أهمها:
1- الخطة الخمسية: التي طال انتظارها ولأول مرة منذ الثمانينيات في القرن الماضي تقر بقانون ويرصد لها 37 مليار دينار ، ومما يدعونا إلى التفاؤل أن هذه الخطة جاءت بعد عشرين سنة عجاف من الغياب عن التنمية في الكويت وكونها صدرت بقانون يعني إلزام السلطة التنفيذية بالتنفيذ، وهنا ندعو الحكومة إلى حشد الخبراء والفنيين سواء المحليون منها أو الأجانب لتنفيذها على الوجه الأكمل، وندعو السلطة التشريعية إلى طلب تقرير سنوي من الحكومة حول الإجراءات والمشاريع التي تم تنفيذها من الخطة .
2- قانون هيئة أسواق المال: وفي مقالنا السابق تحدثنا بإسهاب عن هذا القانون وباختصار القانون رائع وما على الحكومة إلا الإسراع بالتنفيذ.
3- قانون الخصخصة: الذي طال انتظاره والذي سيعطي القطاع الخاص دوره ليكون شريكا في التنمية، والقانون بغض النظر عن السجال الذي رافقه إلا أنه عادل وينصف كل الأطراف وهنا نطلب من الحكومة الإسراع في التنفيذ وأن تتراجع عن تصريح الناطق الرسمي بأنه سيحتاج إلى سنتين لتطبيقه.
4- الشركات المساهمة: اقترحت الحكومة إنشاء عدة شركات مساهمة في مجال الإسكان وإنشاء المدن العمالية ومحطات الكهرباء ووافق المجلس عليها مشكورا وهذه الشركات العامة ستشرك كلا من المواطن والقطاع الخاص والحكومة في تنفيذ مشاريع التنمية وسيستفيد المواطن منها سواء في توفير الخدمات بالإضافة إلى الاستفادة من أرباح هذه الشركات.
5- صندوق المتعثرين: قضية ديون المواطنين أخذت حيزا كبيرا من وقت المجلس والحكومة وشغلت الشارع الكويتي بدون فائدة وكنا نتمنى الانتهاء من هذا الموضوع نهائيا حتى يتفرغ النواب والحكومة للأمور الأخرى في الاقتصاد، وجاء اقتراح صندوق المتعثرين ليسد فراغا اقتصاديا وتشريعيا في هذا الباب، وهو اقتراح كريم جدا من الدولة والمجلس يعطي الحق للمواطن المدين بأكثر من 50% من دخله في اللجوء إلى هذا الصندوق لمعالجة مديونيته، وهذه إضافة كبيرة للمزايا المقدمة للمواطن الكويتي والتي لا توجد في أي دولة في العالم، فالكويتي سكنه مضمون ودراسته وعلاجه الصحي مجانا وزواجه على حساب الحكومة والآن حتى الديون تسدد عنه ـ عسى الله يبعد عنا الحسد ـ واللهم زد وبارك لأهل الكويت الطيبين الخيرين.
6- خصخصة «الكويتية»: هذه المؤسسة المتهالكة والتي طال انتظار علاجها أصدر البرلمان بشأنها قانونا جيدا بالموافقة على خصخصتها، وأصر على ذلك بعد محاولات لوقف الخصخصة، فنحن فعلا بحاجة شديدة لمؤسسات نقل عالمية لتحقيق رؤية سمو الأمير بتحويل الكويت إلى مركز تجاري ومالي عالمي.
هذه بعض انجازات المجلس ونحن نشكره عليها ونتمنى في دور الانعقاد القادم أن يستمروا على نفس المنوال كما ندعو الحكومة إلى الإسراع في التنفيذ.
لماذا تهاجر مؤسساتنا الاقتصادية من الكويت؟
في إحصائية نشرتها الصحف المحلية حول حجم الاستثمارات الأجنبية التي دخلت الاقتصادات الخليجية خلال السنوات الخمس الماضية استطاعت السعودية جذب 70 مليار دولار، والإمارات 50 مليارا، وقطر 40 مليارا، والكويت جذبت 500 مليون دولار فقط وخرج منها 32 مليار دولار، وهذه بلاشك أرقام مخيفه جدا وتدل على مدى التصحر الاقتصادي الذي نعاني منه وغياب غير مسبوق لتطوير مناخ الأعمال في الكويت، وغياب كبير لدور الكويت الإقليمي والاقتصادي، ونحن في شركة دار الخبير للاستشارات والتدريب قررنا أن يكون لنا دور في حل هذه المشكلة، فبعد استشارة اقتصاديين كبار قررنا أن نعمل مؤتمر تطوير مناخ الأعمال في الكويت بحيث نجمع الاقتصاديين والتشريعيين والحكومة ونناقش أسباب المشكلة وما هي الحلول المقترحة هذا بالإضافة إلى الإطلاع على التجارب الدولية الناجحة، وتم عرضه على عدة فعاليات اقتصادية مثل غرفة التجارة التي قالت ان هذا المؤتمر يمثل توجهاتنا وكذلك تم عرضه على وزير التخطيط السابق والاقتصادي المعروف علي الموسى فكان له نفس رأي الغرفة، وأيضا عرض على أسعد البنوان ـ رئيس اتحاد الشركات الاستثمارية ورئيس شركة زين فأيد المؤتمر وقال إن هذا يمثل إعادة لتصحيح الأوضاع الاقتصادية في الكويت، وحتى نستطيع أن نعطي المؤتمر الزخم المطلوب لابد أن يتبناه أحد المسؤولين ويرعى المؤتمر، ومنذ سنتين ونحن نطرق أبواب المسؤولين من مجلس الوزراء ومجلس الأمة ولكن ما من مجيب، طلبنا من مدراء مكاتبهم اللقاء وعمل عرض تقديمي له فما من مجيب، حتى أن أحد مدراء المكاتب قلت له طلب الرعاية صار له عندكم شهرين ما رديتوا علينا فقال: اشفيها احنا العادة نرد بعد ست شهور، قلت له طيب ممكن نقابل مدير المكتب، طبعا ما جانا الجواب، أحدهم قال لنا على سبيل الاستهزاء إن شاء الله بكرة تجيكم الموافقة بالفاكس، طبعا صار لنا أشهر وهذا الفاكس ما وصل بالرغم من الاتصالات المتعددة والإلحاح، والعجيب والغريب نفاجأ بأن هؤلاء قد رعوا مؤتمرات لشركات عربية ودعموها بأموال طائلة من فلوس الكويت، ومؤتمر يخص الكويت وتوافق عليه الفعاليات الاقتصادية وما من راع.. وأيضا رعوا معارض ومشاريع صغيرة، وأعجب شيء هو رعاية مسابقات الصخول الشامية ورفض رعاية مؤتمر تطوير مناخ الأعمال في الكويت والذي وافقت عليه الفعاليات الاقتصادية بالكويت وأثنت عليه، وتبون الشركات الكويتية ما تهاجر إلى دبي والسعودية وقطر.. فالله المستعان، وخووش تنفيذ لرؤية سمو الأمير بتحويل الكويت إلى مركز تجاري وإداري ومالي عالمي.
دور القيادات الإدارية في استعادة الكويت لمركزها الاقتصادي في الخليج:
القيادة هي الأساس في تطبيق إستراتيجية الحكومة والقطاع الخاص وغيرهما من المؤسسات.. فأي اقتصاد يريد أن يتبوأ مركزا اقتصاديا وتجاريا عالميا يجب أن يعد مجموعة كبيرة من القياديين لتنفيذ رؤيته. في الولايات المتحدة وبريطانيا على سبيل المثال هناك الجامعات المتميزة مثل هارفارد، ستانفورد، كامبردج، اكسفورد تقوم مثل هذه الجامعات بإعداد القياديين لقيادة العمل الإداري والاقتصادي في دولهم ومع توفر هذه الجامعات هناك عشرات المراكز الإدارية لإعداد القيادات لتتبوأ مركزها في قيادة المؤسسات مسلحة بالعلوم الحديثة للقيادة وبمهارات متميزة مثل العمل الاستراتيجي، إدارة الأزمات، بناء الخطط وتنفيذها، القدرة على قيادة القوى البشرية وتحفيزها، وفي الكويت ومنذ الاستقلال ونحن نعاني بشكل كبير من عدم وجود نظام لشغل الوظائف القيادية وإعدادها وتدريبها على القيادة، وللأسف الشديد مع غياب مثل هذا النظام وغياب التدريب والإعداد للقيادات أصبحت الكويت تعاني بشدة من تعيين قياديين لا يملكون مواصفات القيادة ولا يملكون المهارات القيادية المطلوبة وإنما تم تعيينهم بناء على نظام المحاصصة، والقبلية والعائلية وغيرها من الأمور التي لا تمت إلى الأنظمة القيادية بصلة، فكانت النتيجة انهيارا تاما في الخدمات الحكومية وتراجع الكويت في دورها القيادي في الخليج وتميزها وأصبحت تحتل الكويت المراكز الأخيرة في كل شيء ومنها الشفافية والفساد.
وحتى القطاع الخاص لا يقل عن القطاع العام فمفاهيم تعيين القياديين في القطاع الخاص لا يقل عن مفاهيم تعيين القياديين في الحكومة فكانت النتيجة تراجع القطاع الخاص عن دوره الريادي وتوالي الأزمات المالية الواحدة تلو الأخرى ومنها تراجع نصيبه في الاقتصاد وأصبحت الحكومة تملك اليوم 80% من الاقتصاد الكويتي والإنفاق الحكومي يمثل الإنفاق الوحيد الذي يحرك الاقتصاد، وفي اجتماع ضمني مع الإخوة في قطاع التطوير الإداري في ديوان الخدمة وسؤالهم عن اقتراحاتهم حول تطوير العمل القيادي بالكويت، ذكروا لي أنهم أعدوا دراسة جاهزة لإنشاء مركز تدريب القيادات، ولكن التطبيق والموافقة عليه بيد مجلس الخدمة المدنية. في الثمانينيات من القرن الماضي وضع نظام لإذلال القياديين في الكويت وهو أن القيادي يجب أن يجدد له كل أربع سنوات، وهذا طبعا وضع القياديين تحت رحمة الوزراء فهو بيده أن يجدد لهذا القيادي أو غيره بناء على أهوائه الشخصية وليس بناء على نتائج وخطط حققت وتطوير تم انجازه، وللأسف أن هذا النظام مازال معمولا به وهذا النظام أفرغ المراكز القيادية في مؤسسات الدولة من محتواها وجعل القياديين موظفين كبارا تحت إمرة الوزراء ورحمتهم ومدى ولائهم له.
أما تعيين القيادي فحدث ولا حرج فلا يوجد نظام يقوم على تحديد ضوابط تعيينهم وأيضا لا توجد ضوابط لتقييم عملهم، فإصلاح أنظمة القيادة الإدارية أمر ضروري إذا أردنا أن نطبق خطط التنمية وأن نطور أجهزتنا الحكومية، وإن شاء الله في مقال لاحق سنكتب اقتراحاتنا لتطوير العمل القيادي الإداري بالكويت.
[email protected]