نستمر في هذا المقال في استعراض مظاهر الأزمة الأخلاقية في الإدارة الكويتية.
5 ـ إخراج الأموال خارج الكويت: لقد سبق أن نشرت إحصائية عن الأموال الأجنبية المستقطبة لدول الخليج فجاءت السعودية في أعلى القائمة حيث استقطبت خلال خمس سنوات 70 مليار دولار، والإمارات 50، وقطر هذه الدولة الصغيرة استقطبت 40 مليار دولار، والكويت 500 مليون دولار وخرج منها 32 مليار دولار، فالكويت تحتل المرتبة الأولى في دول الخليج والعالم العربي في تصدير الأموال خارج اقتصادها، والقطاع الخاص الكويتي أكبر مشاريعه الخاصة والتنموية خارج الكويت فإحدى الشركات الكبيرة صرح مالكها بأن لديه 50 ألف عامل عربي، وهذه الشركة لا يزيد عدد العاملين الكويتيين فيها على ألف، فهل هذا منطق ويجوز، ولو هذه الشركة في إحدى الدول الأوروبية أو الآسيوية لسحب ترخيصها وطردت من الدولة.
وفي دراسة نشرتها هارفرد (بيزنس ريفيو)، ذكرت أن هناك شركتين، الأولى أميركية ولكن مصانعها في آسيا وتقوم بإدخال مليارات الدولارات للاقتصاد الأميركي، والثانية يابانية لكن مصانعها في الولايات المتحدة والعاملين في مصانعها أميركان، لكنها أيضا تخرج المليارات خارج الاقتصاد طبعا لليابان فوجدت الدراسة أن الشركة اليابانية والتي مصانعها في أميركا أفضل للولايات المتحدة لأنها تشغل الأميركان كعمالة وتدور الأموال داخل الاقتصاد ويستفيد الأميركان من تكنولوجيا وتقنيات جديدة، ونحن نهدي هذا البحث إلى الشركات الكويتية.
6 ـ الاعتماد على الإنفاق العام والدعم الحكومي والبعد عن التميز والإبداع: الحكومة الكويتية هي المالك الأكبر للاقتصاد وإنفاقها يحدد مدى الانتعاش الاقتصادي أو غيره، وللأسف القطاع الخاص في الكويت «مدلع» فهو يرتكز على الحكومة في كل شيء ويطلب كل شيء من الأراضي إلى الدعم اللوجستي وغيره، وتعتبر الحكومة الكويتية من كبريات الحكومات في العالم العربي والتي تقدم الدعم للقطاع الخاص وللصناعة، فأسعار الكهرباء مدعومة والماء كذلك والأراضي مدعومة.
7 ـ تجميع المناصب: من الظواهر السلبية التي تؤثر على الأداء الإداري في الكويت هو السعي إلى تجميع المناصب من قبل المسؤولين سواء على المستوى الخاص أو الحكومي، فنجد المسؤول رئيسا لـ 7 شركات وعضوا ل7ـ أخرى ونائبا في 3 أخرى ورئيس اتحاد وناد وهكذا، كأن «ما في هذا البلد إلا هالولد»، ومن أسباب الأزمة المالية في الكويت مبدأ تجميع المناصب حيث يتم تفريخ الشركات من الشركة الأم ودون جدوى اقتصادية بقصد تجميع المناصب والحصول على المميزات المالية، فأحدهم يصل راتبه إلى أكثر من 30 ألف دينار شهريا من هذه المناصب بالإضافة إلى البونص السنوي بمئات الآلاف، وما ان حدثت الأزمة المالية حتى سقطت شركاته على رأسه وأصبحت الشركة الأم مفلسة وضاعت مئات الملايين من الدنانير من حقوق المساهمين، فلا شك في أننا بحاجة إلى محاربة هذه الظاهرة المدمرة ووضع تشريعات للحد منها.
8 ـ غياب الأمانة والصدق في التعامل:في السابق كان التاجر إذا قال كلمته لم يرجع فيها أبدا مهما كانت الكلفة، لكن بعد أزمة سوق المناخ في الكويت أصبح هذا المبدأ تذروه الرياح من كثر ما عانى الناس من الكذب والخداع والغش في هذه الأزمة وعصفت بالأخضر واليابس وكانت وما زالت الكويت تعاني منها منذ 20 عاما، ولابد لنا من تشريعات وقائية للحد من ظاهرة قلة الأمانة والصدق في التعامل، ففي الولايات المتحدة تم عمل مكتب تحسين التجارة ومهمته الأولى الاحتفاظ بالسجلات، وتاريخ الشركات وطريقة تعاملاتها، فأي فرد أو تاجر أو مؤسسة تريد الاستعلام عن أي شركة أو مؤسسة مقابل رسوم بسيطة يطلب من مكتب تحسين التجارة إعطاءه فكرة عن تاريخ هذه الشركة وما إذا كانت عليها أحكام قضائية وغيرها.
9 ـ تفضيل الأجانب على الكويتيين في العمل: للأسف هناك مقولة زائفة لدى القطاع الخاص ومالكي الاقتصاد بأن الكويتيين كسالى لا يشتغلون، وهذه المقولة الزائفة ينسفها مبدأ بسيط فإذا وظفت الكويتي وما اشتغل فأنت لست ملزما به افصله عن العمل، فأنت في قطاع خاص ولا توجد لديك أي قيود لاتخاذ مثل هذا القرار، ولكن الحقيقة غير ذلك وهي اختلاف هيكلية الرواتب بين الكويتيين وغيرهم أو قلتها أمام رواتب الكويتيين، كما أن الكويتيين يعملون في مؤسسات هي الأكبر في الاقتصاد الكويتي والانجح مثل زين، والبنك الوطني والتي تمثل فيه العمالة الكويتية أكثر من 50% ولك أن تتصور أخي القارئ حسب إحصائيات أمانة التخطيط في الكويت أن الشركات العائلية توظف 500 ألف عامل أجنبي مقابل 11 كويتيا، وأن الكويتيين العاملين في جميع قطاعات القطاع الخاص 50.000 مقابل أكثر من مليون عامل أجنبي. فهذا خلل غير مقبول ولا يدل على الوطنية والإخلاص لهذا المجتمع والمطلوب معالجته ولو بالإكراه.
10 ـ الهيمنة على القرار الحكومي الاقتصادي: من المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الاقتصاد الكويتي هو استمرار سيطرة المحتكرين وذوي النفوذ الاقتصادي على القرار الحكومي الاقتصادي، ولذلك فإذا جاء وزير للتجارة لا يمثل مصالحهم نرى الحرب الكبيرة عليه مثل ما حدث مع د.عبدالله الهاجري، وأحمد باقر، وفي حالة وجود من يمثلهم تقف هذه الحرب، ومن الأمثلة الصارخة السيطرة على قرار البلدية في توفير الأراضي السكنية وعدم توفيرها لتقليل العرض ورفع أسعار الأراضي السكنية، والتي لايزال المواطن الكويتي يعاني منها، وحتى بعد صدور القانون الذي أعده العم أحمد السعدون حفظه الله بوضع رسوم على الأراضي السكنية الفضاء، إلا أن هذا القانون لم يطبق ولايزال قابعا في أدراج البلدية والمالية، وأيضا قانون المنافسة الذي صدر 2007 لمنع الاحتكار إلى يومنا هذا ينتظر وزير التجارة لإصدار قراره بتشكيل مجلس المنافسة إلا أنه لم ولن يصدر.
11 ـ عدم وجود نظام لتعيين وإعداد القيادات: من المشاكل التي تعاني منها الإدارة الحكومية والقطاع الخاص ضعف إعداد القيادات وعدم وجود نظام لتعيين القيادات، وهذا أضر كثيرا بالتنمية الاقتصادية والإدارة الحكومية وحتى القطاع الخاص، فبدون قيادة فاعلة لا يمكن أن نقود عملية التنمية في الكويت، وللأسف هناك تعمد واضح لعدم وجود مثل هذا النظام للاستمرار في سياسة هذا ولدنا، وفي نظام المحاصصة، وتعيين البطانة وهذا تدمير للإدارة الكويتية من أوسع أبوابها.
12 ـ الكسل والبعد عن الإبداع والتميز: القطاع العام يعتمد على النفوذ السياسي وإرضاء القيادات للاستمرار في المنصب وليس على الإنتاجية والإبداع والتميز بل إن المبدع والمتميز إذا لم يكن له ولاء لمن هم أعلى منه في الإدارة فمصيره الطرد والفصل والتجميد والمحاربة للأسف الشديد، وفي القطاع الخاص الاعتماد هنا على الاحتكار، وعلى المناقصات والإنفاق الحكومي وليس على التميز والإبداع لذلك نعاني منذ التحرير غياب الأفكار الإبداعية المتميزة، وللأسف هجر الكويتيون المبدعون إلى الخارج لإظهار إبداعاتهم وتميزهم، ولنا أن نذهب إلى دبي ونرى مشاريع الكويتيين هناك مثل فكرة مشروع النخلة وغيرها، وأيضا بورت غالب في مصر مدينة سياحية كاملة، والتي عندما زارها سمو الأمير قال لملاكه «ليش ما تسوون مثل هذا المشروع عندنا» طبعا الجواب أنه ماكو تشجيع والقطاع الخاص لدينا مدلل ومحتكر ويعتمد على الإنفاق الحكومي، وليس على المنافسة والإبداع والتميز.
13 ـ طموح محدود جدا: لا يعكس القطاعان الخاص والعام طموحات كبيرة ويعتمد القطاع العام على البيروقراطية وعلى الرضا السياسي وليس على إبداعه وإنتاجيته وتميزه، ولنا مثال في الصندوق السيادي الكويتي (الهيئة العامة للاستثمار) وهذا الصندوق أنشأ منذ الخمسينيات ولايزال رأسماله بحدود 200 مليار، وصندوق أبوظبي السيادي أنشئ بعدنا بـ 40 سنة ورأسماله الآن يكاد يقارب التريليون. وعلى مستوى القطاع العقاري لازلنا في المربع الأول ومشاريعنا العقارية مثيرة للسخرية والضحك أمام المشاريع التي تنفذ في دبي وسنغافورة وقطر، ومن يقرأ كتاب محمد بن راشد (حاكم دبي) يعرف ما هو الطموح، وما هي الرغبة في التميز والوصول إلى المراكز المتقدمة، فنحن في الكويت بحاجة إلى مثل هذه الدروس وهذا الطموح والذي للأسف كنا نتمتع به وفقدناه، ونسأل الله أن يرشدنا إلى الرجوع له والاستدلال على طريقه ولو بدأنا متأخرين فكما يقول الأميركان «never too late».