تلعب اقتصادات العمالة دورا كبيرا في الاقتصادات المعاصرة، فتوجه عادة القطاعات الاقتصادات المختلفة وفق استراتيجيات وسياسات اقتصادية نحو توظيف العمالة المحلية في الاقتصاد ومدى قدرة الدول على توفير وظائف توفر الرفاهية المالية لمجتمعها تعد من أسمى الغايات السياسية لدى الدول المتقدمة، ولذلك تأخذ اقتصادات العمالة حيزا واسعا من السياسات الانتخابية وفي السياسات الاقتصادية التنموية، وتفرد الجامعات الكبيرة حيزا جيدا لدراسة اقتصادات العمالة والبحوث وتوظف الميزانيات الكبيرة لهذه الأبحاث، وتلعب أرقام التوظيف والبطالة دورا كبيرا في رفع البورصات العالمية في الدول المتقدمة أو خفضها.
والسؤال المهم: هل لدينا استراتيجيات واضحة أو سياسة أو خطة لاقتصادات العمالة؟ وإذا كان كذلك فما هي مظاهر المشكلة؟
أولا: مظاهر مشاكل العمالة الوطنية في الاقتصاد الكويتي:
1 ـ الفهم الخاطئ للنص الدستوري:
نص الدستور الكويتي في المادة 41 على: «لكل كويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه، والعمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة، ويستوجبه الخير العام، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه».
ونصت المذكرة التفسيرية على التالي: «هذه المادة لا تعني حق كل فرد في إلزام الدولة بأن توفر له عملا وإلا تعرضت للمسؤولية، وذلك لا التزام على الدولة بهذا الخصوص وحدود إمكانياتها، ولذلك قالت في العبارة الأخيرة من المادة، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين ولم تقل «توفر الدولة العمل للمواطنين»، فالمذكرة التفسيرية واضحة وهي توفير العمل في حدود إمكانيات الدولة، والنص الدستوري أيضا ينص على توفير العمل، ولكن ليس توفير الرواتب بدون عمل، النص أوجب على المواطنين العمل وليس البطالة وقبض الرواتب والمزايا.
كما نصت المادة 26 من الدستور على «أن الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة»، فقيام الدولة بتوظيف العاملين في أجهزة الدولة بدون احتياج مخالفة صريحة لنصوص الدستور، وفهم خاطئ لدور الدولة، ودور الوظيفة، فالحكومة هنا دورها أيضا توفير الوظائف في جميع قطاعات الاقتصاد الوطني سوى الحكومية، وتضع خطة وإستراتيجية واضحة في هذا المجال.
2 ـ نحن بحاجة إلى رؤية جديدة للوظيفة الحكومية:
بعد اكتشاف النفط ودخول الثروة النفطية على المجتمع الكويتي، تم اعتماد مبدأ توزيع الثروة على الكويتيين من خلال التثمين، وللأسف من خلال الوظائف العامة، فتم تعيين أعداد من العاملين الكويتيين من دون تأهيل أو تدريب أو احتياج حقيقي في الادارة العامة، مما خلق مفهوما خاطئا أن الوظيفة هي إحدى وسائل توزيع الثروة في الكويت وليست واجبات ومسؤوليات كما نص عليها الدستور يجب أن نؤديها، وللأسف بعد تعلم الكويتيين واستبدال العمالة الوطنية بالعمالة الوافدة ما زلنا نحمل نفس المفهوم، ونصوص قانون الخدمة المدنية الحالي، والمستخدم منذ السبعينيات إلى الآن ما زال يعزز هذا المفهوم، وما مشكلة الكوادر إلا على نفس المنهاج، المطلوب المزيد من الأموال والامتيازات ولكن بدون مقابل، نحن بحاجة إلى مفهوم جديد للوظيفة العامة، وهي أن الوظيفة تعطى مقابل مواصفات خاصة ومقابل عمل ومسؤوليات وواجبات تؤدى وهو ما يسمى بالإدارة بالتوصيف الوظيفي.
3 ـ تقادم قانون الخدمة المدنية وعدم صلاحيته لمرحلة الاقتصاد الإنتاجي:
القانون الحالي وجميع قرارات الخدمة المدنية بحاجة إلى مراجعة والقانون منذ السبعينيات، ولم يعد يصلح للمرحلة القادمة في القرن الـ 21 حيث طرأت مفاهيم جديدة على الإدارة، والظروف الاقتصادية تغيرت وما زلنا للأسف في المربع الأول.
وكما أن تشكيل مجلس الخدمة المدنية الحالي يغلب عليه الطابع السياسي وليس المهني ولذلك فهو غير قادر على بناء فلسفة ورؤية إدارية مهنية تساير المرحلة الجديدة في تحويل الكويت إلى مركز إداري ومالي عالمي، ويكفي أن نعرف أن 95% من العاملين الكويتيين يعملون في القطاع الحكومي، وأن هناك 300 ألف عامل كويتي سيدخلون سوق العمل بعد عشر سنوات، واستمرار نفس السياسة يعني إفلاس الكويت وتخصيص إيرادات النفط جميعها على الباب للباب الأول، وما قرار الكوادر الأخير إلا دليل على تخبط مجلس الخدمة المدنية، إذ كيف نقر كوادر وامتيازات لموظفي القطاع العام ونحن نشجعهم على العمل في القطاع الخاص، ما سيحدث هو هجرة من القطاع الخاص إلى القطاع العام بسبب هذه الامتيازات.
4 ـ التنظيم الإداري للدولة قديم ومهترئ:
ومنذ القرن الماضي أغلب مراسيم وقانون الوزارات منذ الخمسينيات والستينيات ولا يصلح تماما للمرحلة القادمة في القرن الواحد والعشرين خصوصا بعد بروز مفاهيم حديثة على مستوى الإدارة العامة مثل: إعادة الهيكلة، رعاية الإبداع والتميز، جودة الخدمات، تقوية المسؤولية العامة... الخ.
فنحن بحاجة إلى إعادة هيكلة جذرية للهيكل الإداري للجهاز الحكومي وإدخال هذه المفاهيم الحديثة في إدارتها.
5 ـ القوى البشرية هي أساس تطور أي مجتمع:
وفي الكويت نحن بحاجة إلى إستراتيجية واضحة لتنمية القوى البشرية، ويكفي أن نعرف أن العاملين في الحكومة حسب إحصائيات 2008، 70% منهم شهادة ثانوية وما دون، فنحن بحاجة إلى مؤسسات تدريب عالمية لإعادة تأهيل العاملين وأيضا بحاجة إلى إعادة هيكلة التعليم ليقابل احتياجات الاقتصاد الوطني وهذه غير موجودة، وحتى الخطة التنموية التي أقرت لا يوجد بها إستراتيجية أو خطة إجراءات للتنمية البشرية.
6 ـ إحصائيات العمالة في القطاع الخاص والعام أمر مخيف ويثير الرعب على مستقبل الكويت:
يبلغ عدد العاملين الكويتيين في الاقتصاد المحلي حسب الجدول التالي:
الوصف |
العدد |
النسبة % |
القطاع الحكومي |
263332 |
87.3 |
القطاع المشترك |
658 |
0.0019 |
القطاع العائلي |
11 |
0.0000327 |
القطاع الخاص |
55637 |
5 |
إحصائية القوى العاملة الصادرة من أمانة التخطيط عام 2008
جدول يوضح توزيع القوى العاملة الكويتية في الحكومة حسب المؤهلات
الوصف |
النسبة % |
بدون مؤهل |
1.93 |
المؤهلات الدنيا |
32.47 |
المؤهلات الوسطى |
40.97 |
المؤهلات العليا |
24.63 |
الأمانة العامة للتخطيط 2008
جدول يوضح توزيع العاملين غير الكويتيين حسب المؤهلات
الوصف |
العدد |
النسبة % |
من دون مؤهل |
925888 |
52.8 |
المؤهلات الدنيا |
4779 |
27.29 |
المؤهلات الوسطى |
251549 |
14.35 |
مجموع المؤهلات الوسطى وما دون |
1.655.424 |
94.4 |
الأمانة العامة للتخطيط 2008
جدول يوضح توزيع العاملين الكويتيين وغير الكويتيين حسب المهنة
الوصف |
الكويتيون |
غير الكويتيون |
الأطباء |
3631 |
8184 |
المهندسين |
6884 |
24727 |
المدرسين |
36285 |
32616 |
رجال الأعمال |
2448 |
34282 |
الكتبة ورجال الشرطة والمطافي |
148938 |
160369 |
غير مبين |
23935 |
314650 |
العمال العاديون |
ـ |
935843 |
المصدر: إحصائية القوى العاملة والصادرة من أمانة التخطيط عام 2008 ـ الكويت
هذه الإحصائيات أمر مخيف على مستقبل الكويت، فالقطاع العائلي يوظف 11 كويتيا مقابل 500 ألف غير كويتي! هل هذا يعقل؟
وهل يعقل أن يعين 160369 من الكتبة والإداريين في اقتصادنا؟
هل نحن بحاجة لهم؟ طبعا لا، بالتأكيد نحن بحاجة إلى المهنيين والفنيين لدعم اقتصادنا، وهل نحن بحاجة إلى 1.6 مليون عامل وافد من دون مؤهلات أو مؤهلات متوسطة، هناك خلل كبير يهدد مستقبل الكويت وتمارسه الأجهزة المعنية بالدولة عن العمالة، ونحن بحاجة إلى أكثر من وقفة في هذا المجال قبل انتحارنا اقتصاديا من خلال قطاع العمالة.
[email protected]