نكمل في مقالنا مظاهر مشكلة العمالة الوطنية، ونخصص هذه المقالة لهرم العمالة الوطنية في الكويت والمكون من (الحكومة، وزارة الشؤون، وزارة الداخلية، الهيئات التعليمية، الاقتصاد والمجتمع).
1- الحكومة: من مشاكل العمالة الوطنية من جانب الحكومة ككل عدم وجود رؤية واستراتيجية للقوي البشرية وتنميتها تجمع وتنسق وتوجه جميع المؤسسات الخاصة بالقوى البشرية بالدولة، وبالرغم والحمدلله من دخول حكومتنا العزيزة جوانب التخطيط والعمل الاستراتيجي من خلال الخطة الخمسية والتي أقرت بقانون، إلا ان هذه الخطة افتقدت هذا الجانب وهو رؤيتنا للقوى البشرية الوطنية وأهدافنا في المرحلة المقبلة بكل وضوح في هذا الجانب، ولعل أهم مشكلة تواجهها الحكومة هي كيفية التغلب على تضخم الباب الأول بالرواتب والباب الخامس واتجاه هذين البابين لاستيعاب جميع الموارد النفطية في العقد القادم.
2- وزارة الشؤون: وهي تمثل الجانب الرئيسي في اختلال هيكل العمالة في الاقتصاد، فهي تسير بدون رؤية أو رقابة حقيقية ولقد وضحنا في المقال السابق مدى الاختلال في هيكلية العمالة بالاقتصاد لصالح العمالة الوافدة والتي جلها من غير المؤهلين والعدد الكبير من الإداريين والكتبة الذين نستوردهم بالرغم من وجود البديل المحلي والوطني، وأيضا عدم قيام الوزارة بتطبيق نسب العمالة الوطنية الصادرة من مجلس الوزراء على مؤسسات القطاع الخاص، هذا بالإضافة الى وجود مشاكل إدارية تتعلق بالفساد الإداري، وعدم تأهيل العاملين في هذا القطاع الهام، ومع صدور قانون العمل الجديد ونصه على إنشاء الهيئة العامة للعمالة فرصة كبيرة لإصلاح هذا الخلل الإداري وأي خلل في هذا الجانب سيكلفنا إفلاس الدولة في العقدين المقبلين؟
3- الداخلية: بالرغم من ان الداخلية تقوم بتنفيذ تصاريح عمالة الشؤون إلا ان لها دورا كبيرا في الرقابة على تصاريح العمل، ووضع قوانين للهجرة تصلح الخلل في تركيبة العمالة على مستوى الاقتصاد، هذا بالإضافة الى إشرافها على العمالة المنزلية والتي دائما ما تضع الكويت في حرج مع منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني الدولية.
4- الهيئات التعليمية: التعليم كما بينت في عدة مقالات سابقة هو قاعدة التطور لأي مجتمع ولا شك ان مخرجات التعليم من الجامعات والهيئات التعليمية الأخرى هي التي تدعم مؤسسات العمل الخاص في الاقتصاد، ولكن واضح جدا ان القطاع الخاص لايزال يرفض مخرجات التعليم في الكويت ويقول انها لا توافق احتياجاته وافتقار الخريجين الى مهارات ومعارف مهمة يتطلبها العمل في القطاع الخاص، هذا بالإضافة الى أن مخرجات التعليم اغلبها من التخصصات الأدبية والقطاع الخاص في أشد الحاجة الى التخصصات العلمية والفنية (أطباء، مهندسين، حرفيين، إداريين ومحاسبين)، وحتى الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب التي من المفترض ان يكون هدف إنشائها تزويد الاقتصاد المحلي بالفنيين والحرفيين وسد النقص في هذا الباب في الاقتصاد لوقف الاعتماد على العمالة الوافد إلا أنها وللأسف لاتزال تزود الاقتصاد بخريجي الاختصاصات الأدبية حيث تبلغ نسبتهم من خريجي الهيئة 70%، وطبعا هذه النسبة تنطبق أيضا على خريجي جامعة الكويت.
5- الاقتصاد: اقتصاد العمالة هو من أهم مكونات الاقتصاديات الحديثة، فكلما كانت لدينا عمالة ذات مهارات ومعارف متطورة وحديثة زاد الاقتصاد في تطوره وفي تحقيق أهدافه، وهناك دول تفتقر لأدنى الموارد الطبيعية، الا أنها تحتل مكانة اقتصادية كبيرة عالميا باعتمادها على العنصر البشري والموارد البشرية مثل اليابان التي تحتل الآن المركز الثاني في الاقتصاد العالمي اعتمادا على القوى البشرية، واتبعتها كوريا على نفس النهج ونجحت تماما واسترجاعا للتاريخ الكويت قبل النفط لم تكن تملك الموارد الطبيعية، ولكن اعتمادها كان على الموارد البشرية ونجحت قديما في بناء اقتصاد زاهر، وهذا الطريق الذي يجب ان نسلكه تماما، فاقتصاد العمالة يجب إن يمثل القاعدة الاساسية التي نعتمد عليها، ومن الأمور المعروفة في الاقتصاد الكويتي إن الاقتصاد يعتمد تماما على الإنفاق الحكومي وهذا الإنفاق للأسف لا يرتبط تماما بشروط بناء وتوظيف العمالة الوطنية، فمؤخرا أرست الحكومة مناقصات كبيرة منها مستشفى جابر، وميناء بوبيان بكلفة ثلاثة مليارات دولار، فالسؤال المهم هنا هو كم حجم توظيف العمالة الوطنية في هذه المشاريع؟ وهل طبقت لجنة المناقصات القرارات والقوانين في توظيف العمالة الوطنية في هذه المشاريع؟ الجواب طبعا لا وهذه خطيئة كبيرة ترتكب بحق العمالة الوطنية، وأيضا السؤال الأهم الـ 37 مليار دينار التي ستنفقها الخطة الخمسية كم سيستفاد منها في توظيف العمالة الوطنية، وهذا السؤال المهم ننقله إلى الشيخ احمد الفهد حتى يبادر بوضع شروطه لتوظيف العمالة الوطنية في هذه المشاريع التنموية المهمة كما استطاع بجهوده الرائعة إقرار الخطة الخمسية.
ومن الأمور المهمة اقتصاديا ان القطاع الخاص يرفض توظيف العمالة الوطنية لعدة أسباب، أولها: رخص العمالة الوافدة ورغبته في زيادة ارباحه على حساب الكويت والاقتصاد الوطني وثانيها: الوهم الموجود لدى القطاع الخاص بأن العاملين الكويتيين كسالى وغير منتجين، وهذا طبعا وهم غير مبرر لأن القطاع الخاص غير ملزم بتوظيف العمالة غير المنتجة لأنه سيد قراراته، وثالثا: القطاع الخاص لا توجد قوانين وقرارات تلاحقه تلزمه بتطبيق نسب محددة لتوظيف العمالة الكويتية، وحتى النسب المتواضعة لتوظيف العمالة الوطنية في القطاعات المختلفة بالاقتصاد الكويتي التي أقرها مجلس الوزراء لم تطبق على القطاع الخاص بسبب هيمنته على قرارات الحكومة وقوة اللوبي الخاص به في إيقاف هذه القرارات، وأخيرا عدم رغبة القطاع الخاص ممثلا في غرفة التجارة بوضع سياسات لإدخال العمالة الوطنية في القطاع الخاص، بل ومقاومتها لهذا الاتجاه وهي التي من المفترض ان ترعى حاضنات الاعمال للشباب الكويتي وان تضع سياساتها المعلنة لدور القطاع الخاص في توظيف العمالة الوطنية كما يحدث في اغلب دول العالم.
5- المجتمع: من الامور الاساسية التي نعانيها هي نظرتنا المعاصرة للوظيفة في الكويت بالأخص بعد الثروة النفطية ودخولها كأساس للدولة الريعية، فالوظيفة بالنسبة لنا ما زالت عبارة عن حق لازم لكل كويتي على الحكومة وهي إحدى وسائل توزيع الثروة في الكويت، وهذه النظرة لاشك انها مدمرة للمجتمع على المدى الطويل، فالوظيفة كما نص عليها الدستور الكويتي هي واجب وطني يؤديه الموظف لوطنه فالانتاجية إذن أساسية في الوظائف العامة، وأيضا من الأمور التي نخطئ بها في المجتمع الكويتي هي نظرتنا إلى الثروة النفطية على انها ستستمر 100 سنة مقبلة، وهذه رؤية غير مضمونة طبعا لعدة أسباب أهمها انه مع التطور التكنولوجي المعاصر هناك احتمال ظهور منتجات بديلة للنفط، وهنا سيسقط في أيدينا لأن النفط الذي نعتمد عليه سيكون خردة ولا فائدة منه فالنظرة المجتمعية إذن يجب ان تكون على أهمية إيجاد بدائل النفط وان نلزم أولادنا بالعمل المنتج، وأيضا احدى النظرات المجتمعية الضارة هي العزوف والنظرة المتدنية للوظيفة الحرفية، وهذا أمر يؤثر بشدة على الاقتصاد المحلي ويحرم الكويت من أهم وظائفها، فقطاع النفط والصناعة والزراعة والثروة الحيوانية يعتمد بشدة على مثل هذه الوظائف، ويكفي أن نعرف أن الاقتصاد الألماني 57% من الوظائف الموجودة به هي وظائف حرفية، وأخيرا من ينظر الى المجتمع الكويتي يرى ان الجوانب الاجتماعية فيه تطغى على الجوانب الاقتصادية والانتاجية والعمل، فالديوانيات سواء خلال العمل أو بعده خلال ايام الاسبوع وليس العطلات لا شك أنها تمنع الموظفين من الاستيقاظ المبكر واهتمامهم بأعمالهم ـ وهذا لا يعني انني ضد الديوانيات ـ ولكن يجب ان تكون نظرتنا إلى الديوانيات نظرة أخرى بحيث لا تؤثر على النظرة الاقتصادية والانتاجية وحب العمل لدى المواطن والعامل والموظف الكويتي فيجب ان نغرس في الجيل القادم ثقافة التحدي والتميز والإنتاج والإبداع وان نعود لثقافة آبائنا وأجدادنا في حب العمل والانتاجية العالية وروح التحدي.