لقد كتبت العدد الأول من المحطات الإدارية ولله الحمد لاقت إقبالا ونجاحا كبيرا وفكرته التعليق على الأحداث الاقتصادية والمالية والقرارات الإدارية والنجاحات والفشل في المجال المحلي والعالمي، واليوم نأخذ استراحة من الكتابة المتخصصة إلى الاستراحة الإدارية والتنظير.
دور منظمات المجتمع المدني في الإصلاح والتنمية:
في لقاء مع د.عصام الربيعان الصديق والزميل في مجال التخصص في البرنامج الإذاعي الناجح تحديات وفي حوار حول أفق التطوير الإداري في الكويت، ذكر قضية مهمة ونحن غافلون عنها كثيرا، وأصبحت من أدبيات الإدارة في الغرب وهي مساهمة منظمات المجتمع المدني في عملية الإصلاح الإداري وصياغة رؤية المجتمع لدور الإدارة في عملية التنمية والإصلاح الإداري والتطوير، وهنا يحضرني دور جمعية الإدارة اليابانية إبان الاحتلال الأميركي عندما تبنت عالم الجودة الأميركي دمنج وصاغ نظرية الجودة لديه لتواكب ثقافة المجتمع الياباني وتم اكتشاف إدارة الجودة الشاملة التي لم تقف عند حدود خطوط الإنتاج فقط وإنما تعدتها لتشمل جميع قطاعات المنظمة وبها استطاعت اليابان اكتساح العالم بجودة منتجاتها واعتدال أسعارها لتصبح ثاني اقتصاد في العالم، والقصد هنا صياغة النظريات الإدارية لتوافق قيم المجتمع وثقافته وهذا دور منظمات المجتمع المدني، وفي الكويت للأسف ليس لدينا مثل هذه المنظمات إذ لا توجد أي جمعية إدارة فضلا عن وجود عدة جمعيات تخصصية في هذا المجال بالرغم من تقديم عدة طلبات إلى أكثر وزارة متطورة لدينا والتي تعج بالممارسات الإدارية المبدعة (للقارئ أن يحدد رؤيته) إلا أن جميعها تواجهه بالرفض بسبب عدم القدرة على فهم دور الإدارة وأهميتها في تطور المجتمع وبسبب التخلف الإداري الذي نعيشه في الكويت وعدم إدراكنا لأهمية الإدارة في التنمية، وهنا نوجه رسالة منا إلى الاخوة في مجلس الأمة الموقر ليلتفتوا قليلا إلى أدوات التنمية وأن يتبنوا إنشاء مثل هذه الجمعيات لنعطي للمجتمع المدني دوره في الإصلاح والتطوير الإداري.
ملحق مستشفى بـ 150 مليون دينار:
قصة بناء المستشفيات في الكويت غريبة عجيبة، فبعد بناء المستشفى الأميري الجديد على البحر ولا يوجد أي غرفة فيه تطل على البحر مما يزيد المريض مرضا إلى مرضه بسبب الغرف المغلقة والحيطان المحيطة به، خرج علينا وزير الصحة بتصريح أغرب من هذا وهو أن الوزارة تزمع بناء ملحق للمستشفى الأميري بـ 150 مليون دينار وبسعة 400 سرير وعندما قرأت الخبر كنت بصحبة أولادي في البيت فقلت لهم قسموا 150 مليون على 400 سرير، فقالوا السرير يكلف 3 ملايين. كيف تمت الحسبة الله أعلم علما أن المستشفى سوف يبنى على طريقة الأبراج أي أن موضوع الغرف المطلة على البحر سوف يعود مرة أخرى في المشروع الملحق، وحتى مستشفى جابر في التكلفة غير معقولة مليار دولار على 1000 سرير فالسرير يكلفنا مليون دولار فاعتقد أن كلفة المشاريع الكبرى يجب أن تراجع وأن يسمح للشركات الأجنبية في البناء بالدخول في المنافسة على مشاريعنا التنموية من غير نظام الوكيل والسماح لها باستيراد المواد الإنشائية وعليه سوف تنخفض التكلفة إلى النصف ونحصل على مشاريع متطورة.
وزير الدقيقة الواحدة:
كتاب «one minute manager» من الكتب المعروفة في مجال الإدارة بالأهداف وكيفية تطبيقها، فقصته باختصار هي أن أحدهم أراد أن يتوظف فكلما اتصل بمدير يقول إنه مشغول ولا يوجد وقت لديه... وفي يوم اتصل بأحد المديرين فقال له أستطيع أن أقابلك في أي يوم من أيام الأسبوع فيما عدا يوم الأربعاء فذهل الرجل معقول أن يوجد مدير لديه مثل هذا الوقت في أيامنا هذه، فذهب الرجل إلى هذا المدير ليعرف قصته فقال له أنا اتخذ أسلوب الإدارة بالأهداف فأحدد أهدافي وأختار الرجال المناسبين الذين يستطيعون تحقيق هذه الأهداف وأوظفهم ثم أقوم بالإدارة بالتجوال وأتابعهم ولا أتصيد عليهم الأخطاء ولكن أرى الأمور الصحيحة وأؤكد عليها i catch them make something right، ويوم الأربعاء أجتمع بهم لأرى ما حققنا من أهداف، وهذا من أكثر الكتب مبيعا في الإدارة بالرغم من صغر حجمه وأعتقد أن كل وزير في وزارتنا الموقرة بحاجة إلى أن يقرأ هذا الكتاب لأن للأسف أبوابهم مغلقة أمام المواطنين وأهل الاختصاص فهناك عدة وزراء اطلب مقابلتهم ولكن سوء الحظ دائما ملازمني ولا يقابلني أحد إلا نادرا وأتساءل لماذا وزراؤنا أبوابهم مغلقة بالرغم من صغر حجم مجتمعنا، فنحن حقا بحاجة إلى وزير الدقيقة الواحدة الذي يركز على تحقيق الأهداف وليس توقيع الأوراق وحضور الاجتماعات
سورة الكهف وإدارة المستقبل:
المتعة كل المتعة في تدبر كتاب الله سبحانه وتعالى واستخراج العبر والفوائد منه حيث يقول المولى عز وجل (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)، وعندما أقرأ سورة الكهف يوم الجمعة كل أسبوع كما أمرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أتساءل في نفسي بالإضافة إلى الأجر العظيم من قراءة هذه السورة العظيمة، ما العبر المفروض أن نستقيها منها، فوجدت أن سبب نزول السورة هو سؤال الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم عن أمور غيبية تاريخية امتحانا لعلمه (أهل الكهف/ الخضر/ ذي القرنين) فكان رد النبي صلى الله عليه وسلم غدا أخبركم ولم يقل إن شاء الله فلبث الوحي 15 يوما ثم نزلت السورة باخبار الكفار عن هذه القصص وأيضا إعلام للنبي صلى الله عليه وسلم ولجميع المسلمين أن المستقبل بيد الله ويجب أن أستعين بالله إذا ما أردت النجاح المستقبلي، وأيضا من واقع قصة الفتية أن إدارة المستقبل هي أهم واجبات المسلم وأن أقدر ناس على التغيير في المجتمعات هم الشباب فالله سبحانه وتعالى أراهم نتائج أعمالهم بعد أكثر من 300 سنة وأيضا تعليمنا أن التغيير متى تم الإصرار عليه وبتأييد من الله فقد يأخذ وقتا وقد لا يأتي في زمنك، فالثبات على الحق مطلوب ولو كان الجميع ضدك، ونتعلم أيضا من قصة الخضر مع موسى أن أحدا لن يستطيع استيعاب العلم كله وأن ما لدينا من علم لا يساوي أخذ قطرة ماء من البحر بجانب علم الله ولذلك نظل نتعلم ونتعلم إلى ما لا نهاية فهذا ديدن الأمم الناجحة والمؤمنة فالتعليم والتربية الصالحة هما الطريق للنجاح وإدارة المستقبل بفاعلية، وأيضا نتعلم من قصة الجدار الذي أقامه الخضر بالرغم من عدم ضيافة القرية له أن العمل الصالح يدوم ليصل إلى الأحفاد فعليك أن تعلم أن تربيتك الصالحة لأبنائك يعني أنك تربي أحفادك وأحفاد أحفادك وأن أعمالك الصالحة أيضا يصل أثرها إلى الأحفاد، ومن قصة ذي القرنين نتعلم أن القوة والأخذ بالأسباب والتعلم هي أهم أسباب السيادة والأخذ بالتعاليم الشرعية ودين الله بالإضافة إلى الأسباب في الدنيا يضمن لنا النصر والسيادة والانتصار وأما ابتعادنا عن الأخذ بأسباب التطور والمعرفة والقوه فهذا لن يفيدنا عند الله فالنجاح مقترن بالأخذ بشريعة الله بالإضافة إلى الأسباب في الدنيا ولذلك قص الله علينا قصة ذي القرنين لنتعلم منها كيفية إدارة مستقبلنا والأخذ بأسباب الانتصار فهي سنن كونية لن تتغير ومستمرة منذ غابر الأزمان ولذلك عندما جاء الاعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل على الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اعقلها وتوكل على الله فالتوكل يجب أن يقترن بالأسباب. وإن شاء الله أعد القراء الكرام بالكتابة التفصيلية في مقالة خاصة مقترنة بالعلوم الإدارية الحديثة في كيفية وأهمية هذه الصورة في إدارة المستقبل والحصول على النجاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
[email protected]