وعدت القراء الكرام منذ مقالين حول الكتابة عن إيجاد بيئة ومناخ اقتصادي مناسب للتحول إلى مركز إداري ومالي عالمي، وها أنذا اليوم أوفي بوعدي نظرا لأهمية الموضوع، إذ وضع رؤية فقط لا يكفي ويجب أن تتبعها خطوات عديدة وفق إستراتيجية وخطط معده إعدادا فنيا وإداريا محكما، كما ان وضع الرؤية الجديدة هذا يعني بالضرورة رغبتنا في تغيير الوضع الحالي من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع منتج، وللعلم أن الكويت منذ إنشائها اعتمدت في اقتصادها على كونها مركزا ماليا وتجاريا على المستوى الإقليمي، وعلى مستوى آسيا والدول العربية، وهذه من أسرار استمرار الكويت لأكثر من 300 عام بالإضافة إلى الإدارة الحكيمة من أسرة آل الصباح الكريمة ودعم الشعب الكويتي لها في كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكن دخول الثروة النفطية واعتمادنا على الدخل النفطي بشكل كلي جعلنا نتحول من مجتمع إنتاجي إلى مجتمع استهلاكي ومن مركز تجاري منتج إلى اقتصاد ريعي يعتمد على مورد واحد، ونود في هذه المقالة أن نضع بعض القواعد المهمة لإعادة تحولنا إلى مركز مالي وتجاري وإداري إقليمي:
1 ـ إعادة هيكلة التشريعات الاقتصادية والمالية:
صرح نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية والمسؤول الأول عن تنفيذ خطة التنمية بأن تحويل الكويت إلى مركز مالي عالمي عام 2035 لا يمكن في ظل التشريعات الحالية، ونحن بحاجة إلى إعادة تشريع الحالية، وتشريعات جديدة تصل إلى 44 قانونا، وهذا الكلام في محله تماما وهذه مسؤولية ملقاة على عاتق الحكومة ومجلس الأمة، ولعل من المناسب أن نذكر أهم التشريعات:
ـ تشريعات تشجع المستثمر الأجنبي.
ـ تشريعات تشجع المستثمر المحلي وتمنع هجرة الأموال من الاقتصاد الكويتي.
ـ تشريعات تقضي على الاحتكار وتشجع على المنافسة.
ـ تشريعات تبرز الشفافية وتحارب الفساد.
ـ المرونة في التشريعات لمواكبة التطور التكنولوجي والإداري.
2 ـ قيادات قادرة على الإنجاز وتحمل المسؤولية:
مهما وضعنا من أنظمة وتشريعات قانونية جيدة، فمن دون قيادات قادرة على التنفيذ ولها المهارات القيادية فلا يمكن أن نحقق أهدافنا، فلابد أن نضع أنظمة قيادية تحقق لنا التالي:
ـ اختيار قيادات فاعلة قادرة على قيادة المؤسسات الاقتصادية والمالية.
ـ وضع نظام محكم لاختيار القيادات يتصف بالموضوعية والشفافية، ويقضي على الواسطة ونظام المحاصصة.
ـ وضع نظام تدريبي فاعل لتدريب القيادات الكويتية.
ـ الرقابة والمحاسبة للقيادات بناء على أدائها ومدى تحقيقها لأهداف وإستراتيجيات المؤسسات التي وكلوا إليها.
ـ وضع قانون في كيفية اختيار وتقييم وتعيين وترقية القيادات على مستوى الخدمة المدنية.
3 ـ بناء مؤسسات فاعلة:
لابد من بنائنا لمؤسسات دولية واقتصادية ومالية فاعلة تقود عملية التطور الاقتصادي، وإيجاد مصادر بديلة للدخل النفطي، وتتصف هذه المؤسسات بالتالي:
ـ تنفيذ آخر تطبيقات العلم الحديث بالإدارة، مثل التخطيط الاستراتيجي، وإدارة الجودة، وخدمة العملاء، وتنمية الموارد البشرية.
ـ القدرة على استخدام النظم التكنولوجية الحديثة.
ـ لها القدرة على تنفيذ إستراتيجيات الدولة.
ـ تسير وفق خطط واستراتيجيات معلنة.
ـ تتصف بالشفافية والوضوح وتطبيق القوانين.
ـ تتصف بالمرونة والقدرة على إنجاز المعاملات بالسرعة اللازمة، وتبتعد عن البيروقراطية.
ـ تتصف بالاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرارات التي تحقق أهدافها وإستراتيجياتها.
ـ القدرة على التطور وتبني الجديد في الإدارة والتكنولوجيا.
ـ القدرة على الاستعانة بالكفاءات الوظيفية والبعد عن القوانين المدنية والبيروقراطية.
4 ـ قوى بشرية فاعلة:
أي خطط تطويرية وإستراتيجيات تحتاج إلى تفعيلها وتنفيذها، من دون تنمية بشرية وإعداد واضح للقوى البشرية، فنحن ندور في حلقة مفرغة، ولعل من أهم الأمور في هذا المجال:
ـ لابد من توافر قوى بشرية عندها التعليم والمهارات لقيادة المؤسسات الاقتصادية.
ـ تعديل التعليم وتوجيهه نحو خدمة الاقتصاد وتوفير قوى بشرية فاعلة على المستوى الحرفي والفني والإداري والقانوني.
ـ وضع خطة قوى عاملة لمدة عشر سنوات تحقق أهدافنا الاقتصادية.
ـ بناء مؤسسات لها القدرة على تطوير القوى البشرية كداعم للمؤسسات التعليمية، مثل معهد الإدارة العامة، معهد تطوير القيادات، مركز دراسات إدارية وتنمية بشرية.
5 ـ العوامل البينية الأخرى:
ـ قضاء مستقل، وقضاء إداري واقتصادي متخصص يتسم بالاستقلالية وله القدرة على تنفيذ الأحكام.
ـ بيئة إدارية تتسم بالشفافية والمنافسة والحرية والإبداع من خلال إنشاء مؤسسات تدعم هذا الاتجاه، مثل الهيئة العامة للنزاهة أو الشفافية، تطبيق قانون المنافسة لمنع الاحتكار، وتطبيق قوانين الملكية الفكرية،
وتشجيع الإبداع من خلال دعم المؤسسات المبدعة ووضع جوائز، بالإضافة إلى مركز التميز والإبداع.
ـ حماية المستهلك، وتطبيق قوانين صارمة لحماية المستهلك، وإنشاء جمعيات شعبية لتلعب دورها في حماية المستهلك، دعوة الجمعيات والاتحادات العالمية لحماية المستهلك لممارسة أنشطتها بالكويت أسوة ببقية دول العالم.
ـ وضع معايير واضحة ومحددة للجودة ومقاييس السلع والمنتجات والخدمات، والالتزام بمقاييس الجودة العالمية الآيزو.
ـ الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في البناء الاقتصادي، وعدم البدء من حيث انتهى الآخرون والاستفادة من الخبرات الأجنبية.
ـ دعم القطاع الاقتصادي والمالي بالدراسات والبحوث التطبيقية على الكويت، وتغيير سياسة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي التحفظية وسياسة تجميع الأموال.
ـ بناء علاقة تبادلية في المصالح بين المجتمع ومؤسسات القطاع الخاص، وبما يسمى value add relation، من خلال التالي:
ـ أداء الزكاة المفروضة.
ـ بناء المؤسسات التعليمية ودعمها.
ـ دعم البحث العلمي.
ـ دعم العمالة الوطنية وتدريبها وتوظيفها.
ـ دعم ميزانية الدولة.
ـ التركيز من السلطة التشريعية على الدور الاقتصادي في المرحلة المقبلة لتحقيق هذه الرؤية من خلال التشريعات الاقتصادية، والرقابة الفاعلة على الأداء الاقتصادي لمؤسسات الدولة، وربط أي زيادات ومنافع للمواطنين بهذه الرؤية ومن خلال بناء المجتمع الإنتاجي.
شكرا لوزير الكهرباء ولمجلس الأمة:
أثرت في المقالة السابقة أهمية أن نوظف خطط التنمية لتوظيف العمالة الكويتية وأن يكون هذا هدفا رئيسيا لها، فأعلن وزير الكهرباء د.بدر الشريعان مشكورا عن تأسيس شركات كويتية مساهمة لتنفيذ محطات توليد الكهرباء، باشتراط نسبة توظيف الكويتيين 70% من إجمالي العاملين، كما نشكر مجلس الأمة على إقراره 10 توصيات في شأن البطالة، أبرزها إحلال 60 ألف وظيفة يشغلها غير كويتيين بعمالة وطنية، والربط بين المشاريع العملاقة في خطة التنمية وقضية التوظيف، وكنا نتمنى لو أن مجلس الأمة أعطى الحكومة فترة محددة للتنفيذ ومن ثم العودة للمجلس لمعرفة ما تم بهذه التوصيات، وإعادة تشريعها بقانون حتى تكون ملزمة للحكومة.
جهاز المنافسة إلى حيز التطبيق:
قانون المنافسة صادر منذ 2007، ولكن للأسف هذا القانون افتقد التطبيق الجاد من عدة وزراء، ولكن الآن وفي عهد الوزير الهارون يبدو أن القانون سيدخل حيز التنفيذ من خلال إنشاء جهاز المنافسة ونحن هنا نشكره عليها وأيضا اختيار جمال الشايع وهو من الكفاءات الوطنية المشهود لها لقيادة الجهاز، ونأمل ألا يفرغ القانون ولا الجهاز من محتواه مراعاة لخواطر المحتكرين في الكويت والتقيد بالشكاوى المقدمة وتطبيق القانون بحذافيره لأن هذا من شأنه أن يطور الاقتصاد الكويتي ويقلل من لهيب الأسعار الذي يعاني منه المواطن، ويطور الخدمات ويزيد من جودة المنتجات والسلع في الاقتصاد، كما لا يسعنا إلا أن نشيد بخطوات الوزير لبثه الدماء الشابة من أبناء الوزارة في المناصب القيادية، مثل عبدالعزيز الخالدي، وسميرة الغريب، والذين نأمل أن يكون لهم دور مشهود في تطوير التجارة في الاقتصاد الكويتي، ودعم تحويل الكويت إلى مركز إداري ومالي عالمي فالمسؤولية الملقاة على عاتقهم كبيرة وإن شاء الله شباب الكويت أهل لها.
[email protected]