كثيرا ما نسمع بمصطلح دولة المؤسسات، ولكن يخفى على الكثير معناه، فدولة المؤسسات تعني استقلال سلطة الدولة، واكتساب هذه السلطة لطابع قانوني ودستوري لا شخصي، وأن يكتسب الاستقلال الصفة القانونية، وأن يسود مبدأ تساوي المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات امام القانون.
وتنشأ السلطات في دولة المؤسسات وفقا لقواعد قانونية سابقة تحدد كيفية اسناد السلطة الى فرد او افراد معينين، ث`م تحدد القواعد القانونية بعد ذلك اختصاصات كل فرد او مجموعة من الافراد او الهيئات، وتعني ايضا ان السلطات في الدولة لمؤسسات وليست لافراد على ان تكون المؤسسات ممثلة للشعب وجاء تشكيلها برضاه بشكل مباشر (الانتخاب)، اما الافراد على رؤوس المؤسسات فسلطاتهم تنفيذية وتنظيمية اي واجباتهم في الاساس القيام والاشراف على تنفيذ الخطط والسياسات التي وضعتها المؤسسات، اي ان الذين يديرون البلد ليسوا افرادا وانما مؤسسات دستورية وادارية، ومصطلح دولة القانون ان يطبق القانون على الجميع صغيرا وكبيرا ولا تتخذ مؤسسات الدولة وغيرها اي اجراء الا من خلال القانون، ويخضع الافراد فيها جميعا للقانون، والخروج على هذا المبدأ يعني الخروج على مفهوم دولة المؤسسات وتعزيز الفردية والفوضى والتشتت.
ولدينا في الكويت دستور رائع ارسى مفهوم دولة المؤسسات بكل ما في هذه الكلمة من معنى فنصت المادة السادسة على ان «نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للامة مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستــور»، ونصت المادة 29 على ان «الناس سواسية في الكرامة الانسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الاصــل او اللغــة او الدين»، وغيرها من نصوص الدستور التي تؤكد فيه ان الدولة هي دولة مؤسسات لا تخضع للحكم الفردي او العائلي او القبلي او الطائفي فالمفروض من الدولة تعزيز هذا المبدأ فكلما ساد مبدأ سيادة القانون وطبق بشكل محايد وتام كانت لدينا دولة مؤسسات يطمئن فيها الافراد على حقوقهم ولا يلجأون الى القبيلة او العائلة او الطائفة ويضعف دور الافراد وأهواؤهم في ادارة مؤسسات الدولة اذ ان مؤسسات الدولة حينئذ تكون خاضعة للقرارات الجماعية والقانون وذهاب فرد ما لن يؤثر في مسيرة الدولة وفي الواقع اننا في المرحلة المقبلة امام المحك وفي مرحلة حرجة جدا في تطبيق مبدأ دولة المؤسسات وكلما ضعفنا في تطبيق هذا المبدأ اتجهنا الى التمزق المجتمعي والى الفوضى والى التخندق الطائفي والقبلي والحزبي كما حدث في الانتخابات الحالية لمجلس الامة، فالمطلوب من الحكومة المقبلة ومجلس الامة السعي الجاد والحثيث لتطبيق دولة المؤسسات كما جاء في نصوص الدستور الكويتي.
مرحلة الانجازات وتحقيق النتائج
جاءت نتائج الانتخابات لمجلس الامة 2012 على هوى المعارضة الكويتية من اغلبية للاسلاميين والتكتل الشعبي والتنمية والاصلاح حتى القبائل جاء ممثلوها على نفس اطروحات المعارضة مما يجعلنا نحن كشعب ان نطالب بالانجاز وتحقيق النتائج وأن يقف سيل الاستجوابات الجارف للحكومة ولهذا نتمنى من الحكومة المقبلة استيعاب اكبر عدد ممكن من الاعضاء في الحكومة لإعطاء المعارضة وأغلبية المجلس الفرصة للمشاركة في اتخاذ القرار الحكومي على ان تكون هناك قاعدة من الاعضاء وأغلبية تدعم هذه القرارات في مجلس الامة.
ولعل الحكومة المقبلة ليست بحاجة الى بناء برامج وخطط جديدة لعرضها على المجلس اذ ان الخطة التنموية يمكن اتخاذها كخارطة طريق لانجاز الحكومة في المرحلة المقبلة ويكفي ان الخطة التنموية الصادرة بقانون تضع لنا القاعدة التنموية لتحويل الكويت الى مركز اداري ومالي.
كما ان الشأن الاقتصادي اصبحت العناية به ضرورة ملحة وأهمها تطبيق القوانين القابعة في ادراج الحكومة والتي تم اقرارها اصلا من مجلس الامة مثل قانون المنافسة وقانون الخصخصة واستكمال تطبيق قانون هيئة الاموال وقانون الـ «b.o.t»، وأيضا نحن بحاجة الى البدء الفوري في اعادة هيكلة الاقتصاد وايجاد مصادر بديلة للدخل القومي بجانب الدخل النفطي، بالاضافة الى اهمية معالجة اقتصاد العمالة ووقف مافيا العمالة ومحاربة فسادها بكل جدية حيث اغرقت الكويت بالعمالة السائبة وتضخم قطاع العمالة دون داع مما ارهق الخدمات العامة، ولعل تشكيل هيئة العمالة التي نص عليها قانون العمالة الجديد واستقلالها وتعيين القياديين المخلصين عليها اهم خطوة نحن بحاجة لها لاعادة هيكلة قطاع العمالة في الاقتصاد الكويتي وأنا اعتبره من اهم الملفات المقبلة امام الحكومة والمجلس.
ومن الملفات المهمة اقرار قوانين محاربة الفساد والنزاهة حتى نطوي هذا الملف الهام ونتفرغ اكثر للتنمية اذ لا تنمية مع فساد، فالفساد يدمر العمل التنموي ويؤخره وينخر فيه كما حدث مع دول عديدة، وأيضا القدرة على محاربة الفساد وحصولنا على درجات متقدمة في الشفافية العالمية يجذب لنا رؤوس الاموال الاجنبية، ومن الملفات المهمة ايضا اعادة هيكلة قوانين الخدمة المدنية لتلائم متطلبات العصر ولتعزيز الادارة العامة الكويتية وتحقيق جودة الخدمات العامة لتكون قادرة على ادارة التنمية فبدون اعادة هيكلة وتطوير جهازنا الاداري لا يمكن بأي حال من الاحوال ادارة التنمية في الكويت ويقف على هرم الاولويات في اعادة هيكلة الجهاز الاداري وضع نظام عادل لتعيين وتقييم القياديين واتاحة الفرصة للجميع للترقي بناء على مبدأ الجدارة والقدرة على تحقيق النتائج ومبدأ العدالة والمساواة.
www.waleedalhaddad.com
dawalhaddad@