من المتوقع ان تحقق الكويت هذا العام فائضا بمقدار 11-14 مليار دينار، ومنذ عشر سنوات والميزانية العامة تحقق فوائض مالية كبيرة بسبب الارتفاع الكبير لأسعار النفط وسياسة الكويت هي تحويل هذه الفوائض الى احتياطي الأجيال القادمة بالاضافة الى الاحتياطي العام، وبفضل من الله كونت الكويت احتياطيات كبيرة تقدر بـ 300 مليار دولار تديرها الهيئة العامة للاستثمار، ولكن يبدو ان هذه السياسة بحاجة الى اعادة نظر لعدة أسباب:
ـ ثبت ان اغلب هذه الاحتياطيات مستثمرة في الأسواق الأميركية والأوروبية والآسيوية وهذه الأسواق قد أصابتها تقلبات العملة والانهيارات المالية العالمية فما ربحناه من النفط في عشر سنوات قد يضيع بسبب انهيار الاسواق العالمية بالاضافة الى التضخم الحاد وتآكل أسواق العملة.
ـ سوء ادارة هذه الأموال والاحتياطيات يضيع علينا فرصا لا تعوض وبالرغم من ثقتنا التامة بأبنائنا الذين يديرون هذه الاحتياطيات في الهيئة العامة للاستثمار الا انه ثبت ان هذه الادارة مازالت بطيئة وغير فاعلة بسبب وقوعها تحت السياسة الحكومية وارتباطها بالعمل البيروقراطي، الصناديق السيادية الاخرى التي بدأت بعدنا او التي سبقناها بسنوات عديدة استطاعت ان تسبقنا مثل صندوق ابوظبي السيادي.
ـ ثبت ان افضل الاستثمار هو الاستثمار في بناء القطاعات الانتاجية في الاقتصاد حيث هي ثابتة وغير معرضة للتقلبات المالية وتآكل العملات، فعلى سبيل المثال استثمرت ماليزيا في قطاع الصناعة بشكل كبير وهو الآن يدر عليها 36% من الناتج القومي ولقد قامت كوريا بالاستثمار البشري وهذا أدر عليها التطور والتقدم الصناعي والتكنولوجي، وقامت دولة الإمارات ودبي بالاستثمار في القطاع السياحي والعقاري والمواصلات الدولية وقطاع الخدمات المالية فأصبح النفط الآن يمثل 26% من الناتج القومي.
وهكذا فالإنفاق الاستثماري في الاقتصاد وبناء القطاعات الانتاجية افضل بكثير من الاستثمار في بناء الاحتياطيات المالية الكبيرة التي قد تتعرض لخطر التآكل والانهيار مهما كنا متحفظين.
ولذلك لابد ان تكون لنا سياسة جديدة مع الفوائض المالية وان نخفض 50% من تحويلها الى الاحتياطيات العامة وان نقوم ببناء هيئة المشروعات التنموية الكبرى ويكون دورها استثمار الفوائض في الداخل وبناء قطاعات انتاجية في الكويت اهمها قطاع الصناعة البترولية، قطاع الخدمات المالية، تطوير قطاع السياحة الترفيهية وتطوير القطاع العقاري والمساكن والتجاري، وهذا من شأنه بعد 10 سنوات ان يخفض اعتمادنا على النفط ويحقق لنا قطاعات انتاجية عديدة.
سياسة جديدة لصندوق التنمية الكويتي
لعل من اهم أهداف صندوق التنمية عند انشائه كان مساهمة الكويت في تنمية الدول العربية الفقيرة وبناء المشاريع التنموية فيها بالاضافة الى الدول الأخرى ومما شاهدته في الاحتفال الخير للصندوق الذي حضره صاحب السمو الأمير اعلان للصندوق الكويتي ان الصندوق اعطى قروضا تنموية لـ 100 دولة في العالم وهذا في الحقيقة اصابني بالاستغراب كيف ان الصندوق قد ابتعد عن الهدف الرئيسي له وهو التركيز على الدول العربية والإسلامية، فالفقر في العالم العربي يضرب بأطنابه، فحسب احصائيات البنك الدولي فإن نسبة الفقر في مصر 44% من جملة السكان وفي المغرب 42% وفي الأردن 25% وفي العراق 46%.
وعند تحديد خط الفقر على أساس 50 دولارا شهريا فإن عدد الفقراء في الشرق الأوسط يكون 40 مليون نسمة.. ومن المشاكل الرئيسية عند توجيه مساعداتنا العامة وليس من خلال الصندوق انها تذهب الى الحكومات والى الرؤساء وليس الى الشعوب ولقد هالني جدا عندما عرفت ان الميزانية العامة لمصر الحبيبة 22 مليار دولار، هذه الدولة التي بها اكثر من 80 مليون نسمة فهي بلاشك بحاجة الى الدعم من شقيقاتها الدول العربية الغنية مثل دول الخليج وليبيا.. لمساعدتها نحو الانطلاق نحو التنمية الشاملة وبناء القطاعات الانتاجية التي هي بالفعل موجودة قواعد نجاحها من مواد اولية واراض خصبة وعمالة ماهرة رخيصة وموقع جغرافي مميز حتى تعود مصر مرة اخرى مصدرا لتصدير الثروات الى الخارج كما كانت عبر تاريخها الطويل منذ ايام الفراعنة، والقصد ان مساعدات الدولة يجب ان توجه الى العالم العربي كأولوية ثم العالم الإسلامي وان نستغل امكانيات الصندوق الكويتي من خلال بناء التنمية في العالم العربي وان تصل مساعداتنا الى الشعوب مباشرة، فالمفروض فتح هيئات تنموية في كل من مصر والمغرب والسودان وتونس وغيرها من الدول العربية والاسلامية بالاتفاق مع حكومات هذه الدول وان نقوم ببناء المشاريع الانتاجية وان نحارب الفقر في هذه الدول من خلال توفير التعليم المجاني والعناية الصحية والمشاريع الصغيرة الانتاجية.
drwalhadda@
www.waleedalhaddad.com