منذ فترة ليست بالقصيرة ونحن نعاني في الكويت من الإضرابات المتلاحقة التي شلت خدمات الدولة في كثير من المرافق.
فالسؤال ما المقصود بالإضراب؟ في اللغة العربية هو الكف عن الشيء والامتناع، وأول من قام بالإضراب هم العمال الفرنسيون في منطقة اسمها جرفي، وهي مخصصة سابقا للاعدام، والمؤسسات العمالية الدولية كمنظمة العمل الدولية تبيح الإضراب، وأيضا منظمة العمل العربية، كنوع من الحرية للعمال للدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وفي فرنسا هناك قانون يبيح الإضراب للعمال في الأمور العمالية، وليس السياسية، وتقوم الإدارة العامة بخصم أيام غياب العمال المضربين من إجازاتهم، في الكويت للأسف لا يوجد قانون ينظم الإضراب، وإنما كفل الدستور الكويتي حق التعبير عن الرأي وأيضا ألزم الدستور الدولة بالمساواة وتكافؤ الفرص، أي العدالة مطلوبة في الأجور وتكافؤ الفرص، وأما قانون الخدمة المدنية، فلم يجز للموظف الغياب عن العمل حسب المادة 23، ونصت المادة 24 الفقرة 4 على أن يلتزم الموظف بأحكام القوانين واللوائح، وأن يحافظ على ممتلكات الدولة، وأن يتقيد في إنفاق أموالها بما تفرضه الأمانة والحرص عليها، كما أن الكويت قد التزمت بكثير من الاتفاقيات العمالية الدولية وأغلب نصوص هذه الاتفاقيات تؤيد حق الإضرابات وإبداء العمال آراءهم بشأن العمل والرواتب.
ولذا أرى أن حق الإضراب وإبداء الرأي من الأمور المتاحة لموظفي الدولة، ولكن من غير الإضرار بالمصلحة العليا ووقف الخدمات العامة، فلا يمكن أن نوقف تصدير البترول أو نوقف استيراد المواد الغذائية أو وقف حركة المواصلات الدولية، ويظل هنا أهمية أن يشرع مجلس الأمة قانونا ينظم عملية الإضرابات وفق النصوص الدستورية بالإضافة الى الاتفاقيات الدولية وحقوق الانسان.
ومن الأمور المهمة التي يجب أن نسجلها كسبب لتدهور موضوع الأجور والإضرابات:
٭ الهيكل الإداري للدولة لايزال يعتمد على مفهوم الدولة الريعية وليست الدولة الإنتاجية والتنموية وبناء الايرادات وإيجاد مصادر بديلة للدخل، مما سبب اعتماد الدولة على المورد النفطي فقط، بالاضافة الى غياب الإنتاجية والفعالية في الأداء الإداري.
2 - الرواتب في جميع دول العالم عبارة عن أجر مقابل العمل، ولهذا قامت الولايات المتحدة منذ الثلاثينيات بعمل تقييم وتوصيف الوظائف والمهن، واليوم الأمم المتحدة لها تصنيف للوظائف، ولهذا لا حل لموضوع الرواتب لضمان العدالة والمساواة إلا من خلال توصيف وتقييم الوظائف، وهي المهمة التي من المفروض أن تقوم بها الحكومة منذ 33 عاما، ولم تنفذها الى اليوم وسببت كل هذه الإشكالات في موضوع الرواتب.
٭ مطلوب فكر جديد لإدارة وزارة المالية، فالفكر البيروقراطي قاتل ولا ينتج إلا ضياع الأموال، فالمطلوب فكر جديد اقتصادي تمويلي قادر على بناء إيرادات جديدة للدولة، وأيضا قادر على بناء ميزانيات عامة وفق البرامج وتعظيم الايرادات غير النفطية، فعلى سبيل المثال في جميع الدول المتقدمة وأيضا الدول النامية البلديات هي مصدر إيراد للدولة، وبلدية دبي لدينا خير مثال، فإيراداتها أكثر من مصروفاتها فهي تعطي إيرادا سنويا للدولة، اما عندنا في الكويت فالبلدية مصدر مصروف وعبء على الدولة وليس المقصود رفع الرسوم عن كاهل المواطن وإنما من خلال إيجاد المشاريع التنموية ومشاركة القطاع الخاص فيها، الرياضة في دول العالم مصدر إيراد، ولدينا مصدر مزعج في المصاريف، وهكذا في كثير من المؤسسات الحكومية، فنحن بحاجة الى فكر جديد للإدارة المالية.
٭ من الأهمية بمكان ربط الزيادات بالتطوير وزيادة الإنتاجية والإيراد العام للدولة، ففي موضوع الجمارك على سبيل المثال تلعب الجمارك والمدن الحدودية والجزر دورا كبيرا جدا في تنمية اقتصاديات وإيرادات الدولة، الجمارك لدينا تاريخيا كانت تلعب هذا الدور، ومازالت مصدر إيراد، فنستطيع هنا ان نحول الجمارك الى الهيئة العامة للجمارك والمدن الحدودية والجزر، فنطلب منها دورا اقتصاديا كبيرا في البلد ونعطيها استقلالية مالية بشروط الإيراد والتطوير والرقابة، وبهذا نكون ربحنا هيئة جديدة لها القدرة والمساهمة الكبيرة في تنمية الاقتصاد وتعظيم إيرادات الدولة، ونكون ربطنا الزيادة بالتطوير وزيادة الإنتاجية.
٭ اللامركزية هي طريقنا للتطوير والإبداع، فالمطلوب وقف المركزية في الموارد البشرية وفتح المجال للامركزية، ولكن تحت رقابة الديوان ومجلس الأمة وديوان المحاسبة، وأيضا ربط أي زيادات بمقدرة هذه المؤسسات على زيادة إيراداتها أو تطوير خدماتها للدولة.
www.waleedalhaddad.com
drwalhaddad@