تعرضنا في المقالتين السابقتين الى وضع العمالة في الاقتصاد الكويتي بصفة عامة وحري بنا في هذه المقالة ان نركز على العمالة في القطاع الحكومي كون الكويتيين 98% منهم يعملون في القطاع الحكومي حسب دراسات الامم المتحدة، كما ان الحكومات وخصوصا في دولنا النامية، ان صح التعبير عن الكويت، تركز على التوظيف في المؤسسات الحكومية للارضاء السياسي، في الولايات المتحدة عدد العاملين في الحكومة الفيدرالية 3 ملايين فقط و20 مليونا يعملون في الحكومات المحلية من ضمن 120 مليون عامل تعمل الغالبية العظمى منهم في القطاع الخاص.
وبدلا من الزيادة السنوية للعاملين في القطاع الحكومي فإن العاملين في الحكومات الغربية تقل نسبتهم وعددهم بينما في الكويت زادت نسبة العمالة بين 2007 و2011 بنسبة 20%، في الكويت هناك مشكلتان رئيسيتان سببتا تردي وضع العمالة الوطنية وهما النظر الى الوظيفة العامة انها احدى وسائل توزيع الثروة في الكويت وحق المواطنين في النفط وحتى اذا لم يعمل ولم ينتج في وظيفته، والامر الآخر هو الفهم الخاطئ للنصوص الدستورية بأن الحكومة ملزمة بتوفير الوظائف للمواطنين في القطاع الحكومي بينما النصوص الدستورية لم تحدد ايجاد الوظائف في الحكومة بل نصت على ان تعمل الحكومة على توفير الوظائف للمواطنين سواء في الحكومة او القطاع الخاص.
ومن الامور الاساسية التي ادت الى التدهور غياب خطط القوى العاملة فالحكومة لا تملك خطة قوى عاملة ولا تعرف ماذا تريد من سوق العمل ولهذا نشهد التخبط في التعيينات الحكومية وغالبا ما يذهب الخريجين للعمل في غير اختصاصهم بسبب هذا الخطأ الرئيسي كما ان المؤسسات التعليمية لا تعرف ماذا تريد الحكومة من القوى العاملة بسبب غياب الخطط فتراها تضع تخصصات وتفتح كليات في غير حاجة سوق العمل وهذا يعرضهم للبطالة وتأخر توظيفهم او العمل في غير تخصصهم، مثل ان القي بالسوق مئات من خريجي الفلسفة ومكانهم الوحيد التدريس ولكن رفضهم للعمل في هذا المجال جعلهم يتسربون إلى العمل في غير تخصصهم، وثبت من الدراسات ان 70% من خريجي العلوم التطبيقية لا يعملون في تخصصاتهم خصوصا عندما تدرس الهيئة التخصصات البحرية للسيدات، ومعلوم ان عادات وتقاليد اهل الكويت تمنعهم من العمل في هذا المجال فتراهم يتسربون الى الحكومة في مجالات عمل اخرى.
وهذا التخبط في التعيين سببه الرئيسي هو غياب خطة قوى عاملة لدى الحكومة، ومن الامور المذهلة ان وزارتي التربية والصحة فيها 54% من العمالة في الحكومة ففي التربية 89522 الف عامل، والصحة 44818 عاملا والجدير بالذكر ان كثيرا من هذه العمالة تعيش بطالة مقنعة بالاضافة الى اننا ممكن ان نستغني عن العمالة الوافدة من خلال عقود القطاع الخاص خاصة ان نسبة غير الكويتيين في هاتين الوزارتين 45% والقطاع الخاص ممكن ان يأتي بعمالة اكثر حرفية وارخص سعرا واقوى في الرقابة من المنظمات الحكومية على العاملين فيها.
لاشك ان فوضى التعيين في القطاع الحكومي والضغوط السياسية جعلت «الخدمة المدنية» يتحمل فشل سياسات الحكومة في الاصلاح الاقتصادي وقدرتها على تنفيذ المشاريع الاقتصادية التي تتحمل تعيين العمالة الكويتية، فالعاملون في القطاع النفطي لا يتعدون 12 الفا وهذا القطاع لو بدأ في العمل الحقيقي وبناء المشاريع النفطية والبتروكيماوية وما اكثرها يمكن هذا القطاع ان يتحمل تعيين كامل الكويتيين وينتج ارباحا ودخلا اضافيا زيادة مرتين على الدخل الحالي لو احسنت الادارة.
وهذا ينقلنا الى موضوع مهم وهو غياب الانظمة الحديثة في ادارة القوى البشرية الحكومية فنحن لا نزال نعيش انظمة القرن الماضي في قوانين الخدمة المدنية واسلوب ادارة القوى البشرية فنحن بحق بحاجة الى اعادة هندسة القوى البشرية، واعادة هندسة قوانيننا الادارية.
ومن الامور الملاحظة ايضا فشل سياسة الاحلال في مؤسساتنا الحكومية، فالعاملون غير الكويتيين في الحكومة كان عددهم عام 2007 (61019) وفي عام 2011 ارتفع العدد ليصبح (84328) أي بنسبة زيادة 28% وبزيادة سنوية 5.6% وهذا بعكس السياسات المعلنة للحكومة، وجدير بالذكر ان هناك جهات المفترض ان تخلو من العمالة الوافدة نظرا لحساسيتها وقدرة الكويتيين على ادارتها مثل مجلس الوزراء، ومجلس الامة، ووزارة الخارجية، والهيئة العامة للاستثمار، والبنك المركزي، وهيئة الاسواق المال، وبرنامج اعادة الهيكلة، ختاما، موضوع العمالة الحكومية يحتاج الى بحث كامل ولكن بين ايديكم بعض المشاكل والملامح لهذه العمالة.
www.waleedalhaddad.com
drwalhaddad@