تلعب الطبقة المهنية والاحترافية في دول العالم المتقدم دورا رئيسيا في قيادة هذه الدول للتطور وللتغيير للأفضل ويسميها هنا عالم الإدارة بيتر دركر العامل المعرفي، حيث يقول اننا في الحضارة الغربية نعتمد على العامل المعرفي فكلما ضعف هذا العامل المعرفي ضعفت قوتنا وقدرتنا على قيادة تطور العالم ولذلك عملت كل من كندا وأميركا منذ عقود عدة على جذب العمالة المعرفية من شتى بقاع العالم حيث تعطيهم الجنسية وإمكانية العمل فيهما، وحسب احصائيات البنك الدولي فقد وفرت عشرات المليارات من الدولارات واما الفوائد غير الملموسة فهي لا تحصى وبالرغم من استفادة هذه الدول من هذه العمالة المحترفة الا انها اضرت بالدول النامية كثيرا عندما فرغت هذه الدول من اهم عمالتها وبالأخص الأطباء والمهندسين في افريقيا والدول العربية وسميت هجرة الكفاءات.
في اليابان وكوريا الجنوبية أدركوا هذه الحقيقة ولذلك اتجهوا للاهتمام بالتعليم كقاعدة أساسية للتطور ولقد استطاعت كلا الدولتين من التنافس الاقتصادي مع الدول الغربية فثمرات الاهتمام بالكفاءات والعمالة المعرفية تعني زيادة التطور الاقتصادي وقيادة المؤسسات العامة والخاصة بكل احتراف، وقيادة التنمية، والتطور العلمي والبحث والتطوير، والتساؤل هنا هل نحن بالكويت لدينا نفس السياسة او على الأقل الموضوعية في التعامل مع الكفاءات والعمالة المعرفية؟
الجواب بالطبع لا بل أكثر من ذلك هو التهميش والابعاد فكثير من القياديين ينظر الى الكفاءات على انهم مصدر تهديد لمنصبه ووجوده بدلا من ان ينظر اليهم على انهم فرصة للتطور والازدهار لقد تم تسريحي من شركتين كبيرتين في الكويت وقيل لي هذه العبارة «انت تملك مهارات قيادية وليس لدينا لك مكان هنا ابحث في مكان غيره»، فتم حرماني من عملي ورزق أولادي لأني كفاءة ولدي مهارات قيادية، فالحكومة تعطي حملة الماجستير مكافأة 70 دينارا والدكتوراه مكافأة 150 دينارا سبحان الله! هل هذه المكافأة يستحقها من كد وعمل واجتهد في الحصول على شهادة عليا؟! انه التهميش يا سادة والابعاد عن العمل الجاد والابداع، ومن مظاهر التهميش انه لا يوجد قانون موضوعي لتعيين القياديين في الدولة والسبب انهم يريدون تعيين المناصرين ومن لهم ولاء ومن يمررون معاملاتهم وقراراتهم الفاسدة، كما ان مؤسسات الدولة قياس الأداء فيها لبل يعتمد على الأرقام والنتائج بل يعتمد على ثقلك السياسي والعائلي والقبلي ولهذا نرى مؤسساتنا الحكومية بل تهتم بالنتائج وتحقيق الانجازات بل تهتم بتحقيق رضا السياسيين والقيادات الأخرى بالحكومة وآخر اهتماماتها هو الانجاز والتنمية وتحقيق النتائج، ولذلك ترى كثيرا من المؤسسات تحتلها عصابة تتعاون ليس على البر والتقوى وإنما تتعاون على البقاء وتهميش الآخرين وتحصيل مصالحها قدر الامكان.
واعتقد انه يوجد في وزارات ومؤسسات الدولة غالبا ما لا يقل عن 400 موظف من حملة المؤهلات العليا ولكن غالبيتهم لا دور لهم في تطوير مؤسساتهم، والقطاع الخاص لا يقل سوءا عن وضع الحكومة فهو قطاع احتكاري تسيطر عليه فئة محدودة تعتمد على الاحتكار والمناقصات الحكومية وآخر همهم هو الاهتمام وتبني الكفاءات الوطنية فهناك اكثر من 80 ألف مدير تنفيذي غير كويتي وعندما كنت في «زين» قامت عائلة الخرافي بتسريحي انا و70 كويتيا آخرين وتم تعيين وافدين بدلا منا لان تكلفتهم اقل ولزيادة ارباحهم، والنتيجة اتجهنا للعمل في الحكومة برواتب اقل وبدون إنتاجية تذكر، وهناك ايضا 2000 رجل اعمال كويتي مقابل 3400 رجل أعمال غير كويتي. والسؤال هنا ما هو دور غرفة التجارة في زيادة رجال الأعمال الكويتيين؟ الجواب انه التهميش والاحتكار لا غير ذلك. على مستوى البحث العلمي فالدكاترة الكويتيون الذين درسوا على حسابهم الخاص من جامعات معترف بها محرومون من التدريس والانضمام الى الجامعات الرسمية الكويتية في توجه احتكاري وتهميش لا نظير له بالرغم من ان هذه الجامعات لا قدرة لها على استيعاب الطلبة الدارسين سنويا وترى الآلاف المؤلفة من طلبة الكويت يدرسون في الخارج بسبب هذه السياسة الاقصائية، على مستوى البحث العلمي فالتشجيع على البحث العملي في أدنى درجاته بل يتجه الى السلبية والابعاد، وبوجود عدد مؤسستين للبحث العلمي مثل مؤسسة الكويت للتقدم العملي فهي حجبت الجوائز عن الكويتيين لمدة ست سنوات والعيب ليس بالطبع في الباحثين الكويتيين وإنما في مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وغيرها من المؤسسات فكيف بالكويتي ان يبدع ويبحث علميا بدون الدعم لأبحاثه؟ فالبحث العملي يا سادة والتقدم العلمي لم يعد فرديا بل بحاجة الى ميزانيات وفرق عمل لتحقيق نتائج علمية فالمطلوب بالطبع دعم الباحثين الكويتيين ووضع ميزانيات كبيرة لدخول الكويتيين في المسابقات المحلية والدولية للبحث العملي، وأيضا الكويت بأشد الحاجة الى أبحاث تطبيقيه لحل المشاكل العاقة فيها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمالي والسياسي والفني.
ومن الأمور التي تثير السخرية والضحك ان اغلب مناصب التطوير الإداري من وكلاء ومديرين لا يديرها متخصصون في التطوير الإداري فتراهم مهندسين وخريجي آداب ومحاسبه ولقد التقيت بكثير من هؤلاء اذا طلبت منه ان يشرح لك عن التطوير الإداري لا يستطيع ان يضع كلمتين على بعضهما في هذا المجال، واما التخصصات الرئيسية للتطوير الإداري فحدث ولا حرج مثل العمل الاستراتيجي والوصف الوظيفي وتطوير الخدمة وأنظمة الجودة والتخطيط الوظيفي وغيرها، هذا بدلا من ان نضع افضل ما لدينا من كفاءات فالتطوير بحاجة الى مهنيين عالمين بأمور الإدارة وتعتمد الولايات المتحدة على الإدارة في قيادتها لاقتصاد العامل ففيها ثلاثة آلاف كلية إدارة اعمال ويقول كندي خذوا منا كل شيء واتركوا لنا الإدارة، لقد اسهمت الإدارة بلا شك في تطوير الولايات المتحدة الأميركية ونحن للأسف نتعامل معها بهذا الأسلوب فلا نتوقع تنمية ولا هم يحزنون بدون الاهتمام بالإدارة وبالتطوير الإداري.
www.waleedalhaddad.com