المفروض بالبورصة ان تكون انعكاسا للاداء الاقتصادي للدولة، فمتى كان الاقتصاد منتجا ويتصف بالرخاء والرفاهية، كانت البورصة كذلك، ويظهر ذلك على الشركات المنتجة بالاقتصاد، حيث تتمتع أسهمها بالقبول من المتعاملين لما تقدمه من ارباح سنوية ولما تتمتع فيه أسهمها من الارتفاع.
وتكمن مشكلة البورصة في ان من يؤدي هذا الدور هو المضاربون الجشعون الذين يقومون برفع الاسعار بصورة كبيرة ثم يقومون بإسقاط السعر بعد الانسحاب، أو يقومون بإطلاق الشائعات من اجل رفع أو اسقاط سعر سهم معين، أو يقومون برفع اسعار الشركات الورقية التي لا يكون لها أي دور انتاجي، وغيرها من الألاعيب، ويكون هنا دور ادارة البورصة والتشريعيين وضع التشريعات والقوانين التي تضمن أداء البورصة لدورها الاقتصادي ومنع المتلاعبين والمضاربين من استغلال البورصة لجشعهم وشفط أموال المتداولين، وبورصة الكويت كانت وما زالت تعاني من هؤلاء المضاربين الجشعين، وعليها مرت الكويت واقتصادها بعدة نكسات اهمها أزمة المناخ التي كلفت الدولة عشرات المليارات من الدنانير وأرجعتنا الى الخلف اكثر من عقد من الزمان، واليوم تعاني البورصة ايضا من الازمة الاقتصادية العالمية في ظل غياب حكومي وانهيار شركات الاستثمار وغياب صانع أو صانعي البورصة، ولتنشيط البورصة ولتمكينها من أداء دورها الاقتصادي يفضل اتباع الاستراتيجية التالية:
1 - يجب ان تكون لدينا رؤية واضحة لدور البورصة الاقتصادي في دعم الاقتصاد الكويتي وجذب الاستثمارات الاجنبية، وان تكون مصدرا استثماريا آمنا لأهل الكويت.
2 - يجب أن تكون لدينا استراتيجية اقتصادية معلنة للاقتصاد الكويتي ككل اهمها تحويله من اقتصاد ريعي الى اقتصاد انتاجي، ومن اقتصاد يعتمد على الانفاق الحكومي الى اقتصاد يعتمد على انفاق القطاع الخاص ومساهمته في بناء الدولة، وايضا يجب جذب الاستثمارات الاجنبية لدعم اقتصادنا، وان نضع آلية تنفيذ واضحة ومحددة بجدول زمني لرؤية صاحب السمو الأمير لتحويل الكويت الى مركز اقتصادي واداري عالمي ولقد جاء وضع الخطة الخمسية للدولة وإقرارها بقانون مسيرة جيدة في هذا المجال ويتوقع ان تساهم في دفع عجلة الاقتصاد الكويتي ان شاء الله للأمام.
3 ـ الهيئة العامة للاستثمار، هي الذراع الاستثمارية للدولة، ولقد ساهمت الهيئة في كثير من الدول الغربية في دعم اقتصادياتها والشركات الكبيرة فيها من خلال المساهمة بعشرات المليارات من الدولارات فيها، ويقدر ما تملكه الهيئة في الخارج بأكثر من 300 مليار دولار، وان كانت ادارة الهيئة محل تساؤل في ادارتها لهذه الاحتياطيات خصوصا بعد نجاح صندوق أبوظبي الاستثماري في رفع ميزانيته الى ما يقارب تريليون دولار، وعموما انا ادعو هنا الحكومة والهيئة العامة للاستثمار بوقف ضخ الأموال للخارج ويكفي ما يوجد هناك وان توجه استثماراتها للداخل، ولقد حققت الكويت خلال السنوات الخمس الماضية فائضا قدره 44 مليار دينار أي بحدود 146 مليار دولار (حسب الاحصائيات المالية الواردة من وزارة التخطيط)، وأنا هنا لا أدعو لتوجيه هذه الأموال للاستثمار لدعم الأفراد والشركات الورقية ولرفع التضخم بالكويت، ولكن ادعو الى اتباع التالي:
ـ الاستثمار في الشركات المنتجة، وشراء الأصول المدرة والرخيصة في البلد وتعلم الهيئة ان أغلب استثماراتها المدروسة في الاقتصاد المحلي كانت منتجة أكثر من غيرها في الغرب، فمثلا استثمارها في شركة زين كان بحدود 25 مليون دينار في التأسيس والآن أكثر من مليارين، وهكذا فبإمكان الهيئة ان تشتري الشركات الرخيصة والمنتجة وتقوم بإدارتها ومن ثم بيعها بأسعار مناسبة.
ـ يجب ان تلعب الهيئة دورا كصانع سوق رئيسي في البورصة فتحافظ على سقف محدد من الأسعار للأسهم في الشركات الرئيسية المنتجة في البورصة، وتوضح للمستثمرين ان البورصة الكويتية محل استثمار آمن للاستثمار المدروس والمنتج، ومن الغريب ان الدولة رصدت 1.200 مليار دينار لدعم البورصة ولم تقم الحكومة أو الهيئة الا بصرف 30% من هذه الأموال المرصودة، باختصار دور الهيئة يجب ان يكون صانع سوق رئيسيا يهدف الى دعم الشركات المنتجة وان تكون البورصة مصدر استثمار آمنا للمتداولين.
ـ من المهم ان تلعب الهيئة دورا رئيسيا في دعم المشاريع الانتاجية، وبناء الشركات التي تؤدي دورا رئيسيا في بناء الاقتصاد الكويتي، فهناك فرص لا حصر لها في اقتصادنا وأهمها المشاريع البترولية والمصافي والبتروكيماويات وغيرها من الصناعات المهمة، وأيضا المشاريع السياحية مثل بناء جزيرة فيلكا واستغلالها سياحيا... إلخ.
4 ـ الجانب التشريعي مهم للبورصة، وصدور قانون هيئة المال خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن هناك تخوف أصدره كثير من المراقبين لأوضاع البورصة من اللائحة التنفيذية ان تصدر بحيث تفرغ القانون من محتواه، وتمتص الجوانب الحسنة في القانون، والمطلوب دعم الجانب الرقابي لحماية صغار المتداولين في البورصة من المضاربين، ومن القرارات غير الصائبة حتى للشركات التشغيلية، فلقد وقفت البورصة للأسف موقف المتفرج من المشكلة التي حدثت لشركة اجيليتي مع الجيش الاميركي والتي سقط خلالها سعر السهم الى النصف، وكان المفروض بالبورصة وقف السهم لحين الانتهاء من القضية، وأيضا شركة زين وشراء 46% من الجانب الهندي والماليزي كان المفروض وقف السهم الى حين صدور قرار بذلك لأن السهم سقط اكثر من 50% من قيمته من حين اصدار تصاريح بذلك.
5 ـ يحتوي برنامج الحكومة المعلن على مشاريع رائدة في تطوير البورصة نتمنى ان يكون لها نصيبها من التطبيق مثل: مشروع تحديث سوق الكويت للأوراق المالية بهدف خلق بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، وتطوير المشتقات المالية ودعم قطاع سوق المال، ومشروع اعداد مركز التدريب الاقتصادي التابع لصندوق النقد الدولي، ومشروع تطوير الخدمات المصرفية لقطاع التجزئة الذي يهدف الى تطوير سوق القروض العقارية، وتثقيف المستهلكين والعملاء، وتفعيل المشاركة بين القطاعين العام والخاص من خلال تطوير قطاع الخدمات المالية وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمستثمرين وإتاحة فرص استثمارية جديدة، وتوفير بيئة أعمال تواكب المعايير العالمية، لاسيما معايير منظمات هيئات الأسواق العالمية، وعلى جهة الخصوص في مجال حماية المستثمرين وتقرير قواعد الافصاح والشفافية والعدالة.