نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاحتكار وقال «إن المحتكر خاطئ»، وكان صلى الله عليه وسلم يمنع التجار من تلقي الركبان قبل وصولهم الى المدينة لأن هؤلاء القادمين الجدد ببضاعتهم لا يعلمون عن الأسعار في المدينة وقد يبيعون بضاعتهم بأبخس الأسعار ويُظلمون فيها، والأهم في ذلك منع التجار في المدينة من احتكار هذه البضائع واستغلال الناس برفع الأسعار، وكان أحد اليهود في مجتمع المدينة يحتكر أكبر بئر ماء فيها وكان يغالي في الأسعار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يشتري هذه البئر وله الجنة؟» فاشتراها عثمان رضوان الله عليه فأوقفها على المسلمين، فهذه القواعد المهمة تضمن الحرية المسؤولة في الاقتصاد والتنافس الشريف. وفي الاقتصاديات الغربية القائمة على الاقتصاد الحر توضع قواعد مهمة لضمان حرية التنافس والعمل الحر ومازلت أذكر كلام البروفيسور في جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية في حديثه في مقدمة مادة المالية العامة (public finance) حول أهم القواعد لنجاح الاقتصاد الحر، وأهمها منع الاحتكار، وسهولة التنقل وتبادل المعلومات. ولذا هناك جهة رقابية لديهم لمنع الاحتكار ولقد تم منع محتكرين كبار وتفكيك شركاتهم مثل روكفلر في المجال البترولي (standard oil)، وشركة at&t في مجال الاتصالات، وتواجهه أيضا شركة ميكروسوفت دفع تعويضات ضخمة في كل من أوروبا والولايات المتحدة بسبب الاحتكار. وننتقل أخي القارئ الآن إلى الكويت التي لم تعان من الاحتكار طوال عهدها إلا بعد ظهور النفط وتدفق الثروة النفطية وجعل فئة من التجار تحاول الحفاظ على مراكزها التجارية ونفوذها لدى السلطة فكان أن تم إقناع الشيخ عبدالله السالم رحمه الله في الخمسينيات بوضع قانون الوكيل ورفع الضرائب على الشركات الأجنبية بنسبة 50%، فبدأ عهد الاحتكار في الكويت والمغالاة في الأسعار وانخفاض الجودة في الخدمة واستغلال ومص دم المستهلك واستغلاله قدر الإمكان، ولأهل الكويت تجربة واضحة مع شركات الاتصالات المتنقلة فعندما كانت شركة واحدة كانت سوء الخدمات والشكوى ضائعة ومهما عملت فأنت مضطر إلى التعامل معها وعندما تم إطلاق شركتين أخريين بدأ التنافس وبدأت الأسعار في الانخفاض وبدأت الخدمات تتطور في جودتها وأصبح المستهلك كما يقول الكويتيون «معرس» بين هذه الشركات، وطبعا ما ينطبق على الاتصالات يجب أن ينطبق على جميع قطاعات الاقتصاد الكويتي، وقد زرت منذ فترة معرض سيارات لكزس، والغريب انني عندما دخلت معرض السيارات الفارهة لم أجد بائعا يستقبلني وظللت أبحث عن واحد حتى وجدته جالسا على مكتبه، وبالكاد أقنعته بأن يكلمني، وعندما أعطيته البزنس كارد وقرأ الاسم والمنصب بدأ بالاهتمام، والغريب أنه بدأ يشرح لي عن سيارة جيب لكزس وهي مقفلة، فقلت له افتحها فقال لي ما عندي مفتاح، وعندما أبديت له رغبتي في الشراء قال ما عندنا إلا لونين أسود وأبيض وما نقدر نسلمك السيارة إلا بعد 6 شهور، فقلت الألوان الأخرى؟ قال بعد سنة. طيب ليش ما تجيبون كميات مناسبة للسوق؟ قال هذي طريقتنا. طبعا لو طبقنا حالة شركة الاتصالات عليه وكان هناك 3 وكلاء لـ«لكزس» في الكويت فهل كان سيتصرف بهذه الطريقة معي؟ طبعا لا، بل على العكس سألقى كل اهتمام والسعر طبعا سيكون 30 ـ 40% أقل. فإذا كانت الكويت ترغب في ان تكون مركزا إداريا وماليا فيجب ان تتخلص من الاحتكار ويجب أن تعاقب المحتكر بغرامات مالية وتعويضات ضخمة ويتم تفكيك شركته إلى 3 شركات على الأقل، كما يجب إلغاء نظام الوكيل وفتح الباب للمنافسة، واختم بأني عندما كنت أدرس في الولايات المتحدة عندما تذهب إلى شراء سيارة تجد هناك 3 وكلاء لنفس النوع في المدينة الواحدة وكان الجميع يتنافس عليك ويعرض العروض بأقل الأسعار الممكنة وأحسن الخدمات. فهل نقضي على الاحتكار حتى نكون مركزا إداريا وماليا عالميا؟
أوبرا وينفري والنظارة السوداء
بنظرة من التعالي والكبر كعادة الغرب في نظرتهم للشعوب الأخرى، قالت أوبرا في برنامجها الشهير والذي يشاهده عشرات الملايين ليس على مستوى الولايات المتحدة فحسب وإنما على مستوى العالم، ان الكويتيين شعب كسول ويستخدم الشعوب الفقيرة لخدمته، أو كما قالت.. فسبحان الله أول ما قرأت هذا التصريح قلت: الظاهر ان أوبرا لابسة النظارة السوداء التي لا تجعلها ترى عيوب مجتمعها وقديما قيل إذا كان بيتك من زجاج فلا تضرب الناس بالحجر.. أولا: نقول للسيدة أوبرا: نحن في دولة ديموقراطية ولا نخفي عيوبنا ولكن الحمد لله هناك أكثر من 120 جنسية من أنحاء العالم وتعمل بكل كرامة وإنسانية وأما الخدم فهم أيضا يعاملون بإنسانية صحيح أن هناك حوادث ولكنها قليلة نسبة إلى عدد الخدم الذين يشتغلون وعموما في الكويت نعمل على تصحيح الوضع قدر الإمكان. ثانيا: دعنا نذكر أوبرا ببعض الحقائق:
هناك الملايين من المكسيكيين من المهاجرين غير الشرعيين الذين يعملون في بيوت الأميركان كخدم وعمال في الاقتصاد الأميركي ويتم استغلال صفتهم غير الشرعية وتأجيرهم بأبخس الأسعار وأنا وزملائي في البيت المؤجر عندما كنا ندرس في لوس انجيليس كانت الخادمة المكسيكية تأتينا يوما في الأسبوع بقيمة 30 دولارا للتنظيف والغسيل وكوي الملابس وكانت غالبا ما تقول: أشكركم على أخلاقكم لأني عندما أعمل عند الأميركان لا يخلو عملي من التحرش الجنسي..!
هناك ملايين الأميركان الهوملس بلا مأوى ولا مأكل وكنت أشاهدهم بأم عيني وهم يفتشون الزبالة بحثا عن الأكل وينامون بالشوارع ويقضون حاجتهم فيها أمام الناس.. ومرة كنت راجعا من المسجد بعد أن أديت صلاة الفجر وفي شارع فيرموت خلص البنزين ووقفت سيارتي في شارع كنت أظنه حيا آمنا لأن العمارات الفارهة تحيط به وما أن وقفت السيارة وشاهدني الهوملس حتى اجتمعوا على السيارة وبدأوا بالصراخ علي محاولين فتحها ولم ينقذني من الموقف إلا أحد الإخوة الأميركان المصلين معنا بالمسجد عندما شاهدني وذهب لإحضار البنزين لسيارتي.
على الرغم من انتهاء العبودية التي استمرت لعشرات السنين في الولايات المتحدة وربما كانت أوبرا سليلة هذه العبودية التي أحضرت من أفريقيا (وهذا ليس طعنا ولكنه تذكير) وأيضا انتهاء فترة التفرقة العنصرية كما يقولون بالأخص بعد انتخاب أوباما، إلا أن السود الأميركان مازالوا يعانون من التفرقة والفقر وما على أوبرا إلا زيارة الأحياء السوداء في لوس انجيليس بعد أن تقدم برامجها وأتحداها أن تضع سيارتها الفارهة 15 دقيقة ثم ترجع لها وإن وجدتها فستراها ناقصة في كثير من أجزائها. وأخيرا ننصح أوبرا بأن تضع نظارتها البيضاء وترى مشاكل مجتمعها وتعمل على حلها وتوزع بعض الملايين التي تجنيها سنويا من برامجها على الفقراء الأميركان وتعمل على سد الفجوة بين الأميركان من الأصول الأوروبية والأصول الأفريقية والمكسيكية وتحارب الفقر واستغلال العمالة المهاجرة.
[email protected]