في الدول الاسكندنافية تقوم برفع الرواتب على حسب معدلات التضخم من أجل أن يحصل مواطنوها على عيشة كريمة وتستطيع أن تتواكب مع غلاء المعيشة وهذا بالطبع لم يضعهم في مأزق بزيادة باب الأجور في الميزانية العامة لأنهم لا يعتمدون مثلنا على مصدر وحيد في دخلهم لأن الاقتصاد متنوع في مصادره والمواطنون هم من يقومون بتزويد الميزانية العامة بالأموال، في الكويت كان من المفترض أن نتبع الموديل الإسكندنافي ولكن سوء الإدارة وعدم استغلال الثروة النفطية في بناء اقتصاد قوي متنوع المصادر، وضعنا في هذا المأزق، وهذه المقدمة أسوقها بعد عدة مشاهدات في سوق السمك ـ المباركية ـ حيث أذهب بعد صلاة الفجر يوم الجمعة إلى السوق لشراء السمك وعندما مررت على بائع السمك، الكويتي المصدر، وسألته عن سعر كيلو الزبيدي قال 7 دنانير وبعد طلبي شراء 6 أو7 حبات قال سعرها 60 دينارا أي أغلى من سعر خروف عربي كامل المهم قلت أمري لله وشريتها وبينما هو ينظف السمك وأنا بالانتظار يأتي إليه كبار السن الكويتيون ويسألونه عن السعر فيقول 7 دنانير فما منهم إلا أن يقولوا إنا لله وإنا إليه راجعون أو لا حول ولا قوة إلا بالله ويذهبون طبعا بدون الشراء وعندما سألتهم ليش ما تشترون، يأتي الرد وين نشتري ومعاشات التقاعد بهذه الحال وين نوديها، على الإيدام والا السيارة والا الخدم والا مصاريف الأولاد، ويقول احدهم وهو كويتي ويقيم في كيفان ان السمك ما يطب بيتي لأن راتبي 600 دينار فقط فإذا شريت زبيدي بستين دينارا شسوي باقي الشهر.....؟ فتساءلت في نفسي ليش ما عندنا مقياس للتضخم ومدى ملاءمته مع متوسط دخل الأسرة الكويتية، ويتم تعديل الرواتب أمام هذه المعدلات على الأقل كل 3 سنوات، هذا بالإضافة إلى كيف يمكن أن نكون دولة بحرية والأسماك عندنا بهذه الأسعار، فأول قرار لنا هو منع تصدير الأسماك بالأخص من شركات الأسماك الكبيرة، وأيضا محاربة الاحتكار بالأخص من بعض الجنسيات لسوق السمك وافتعال رفع الأسعار من خلال المزايدات ويفضل إلغاء هذا النظام وبيع السمك مباشرة لتجار التجزئة وفق كوتا معينة وأسعار محددة بحيث لا يسمح لها بالارتفاع إلا بنسبة محدودة، هذا بالإضافة إلى أهمية وجود البلدية ووزارة التجارة يتجولون بالسوق ويمنعون الرفع المفتعل للأسعار..هذا بالإضافة إلى لامركزية أسواق السمك بحيث تقسم على خمس محافظات وفق حصص محددة من الهيئة العامة للثروة السمكية على حسب الاستهلاك السنوي لهذه المحافظات، وأيضا تستطيع الهيئة العامة أن تتفق مع الدول الخليجية والمجاورة على استيراد كميات محدودة من الأسماك وقت المنع الذي يمتد غالبا إلى أكثر من ستة أشهر.. هذا بالنسبة إلى السمك وأما بقية السلع فحدث ولا حرج وهنا أضرب مثالا آخر وإن كان قديما ولكن مشكلته لم تحل بعد.. وهو أن في عام 1986 عندما كنت في البلدية استدعى الأمير جابر رحمه الله وزير وأعضاء البلدي وقال لهم ليش احنا في الكويت ندفع أغلى الأسعار وكاش ونحصل على فاكهة درجة ثالثة أكيد فيه خلل.. وشكل المجلس البلدي لجنة خاصة في ذلك وقاموا بزيارة عدة دول متقدمة لمعرفة كيف يدار سوق الخضار لديهم وكيفية التصدير، وبعد طول بحث وجدوا أن الخلل أن سوق الخضار تسيطر عليه مجموعة محددة تقوم بالسيطرة على الأسعار والسوق وجودة الفواكه المقدمة ووجدوا أن أغلب هؤلاء تجار غير كويتيين وإن كان الواجهة كويتيين وقرروا أن يكسروا هذا الاحتكار وأن يقوموا بإعادة توزيع خانات سوق الخضار المتهالك في الشويخ وفعلا أعلنوا للتجار الكويتيين ودعوهم بالمشاركة وفق أسس محددة وفعلا تمت إعادة التوزيع بصورة عادلة وأدخل عدد كبير من التجار الكويتيين ولكن المحتكرون أبوا إلا ألا يسمحوا لهذه الفئة الجديدة بالدخول فاتبعوا معهم عدة أساليب أولها عرضهم لشراء خاناتهم المخصصة بأسعار مغرية، وللأسف تم لهم ذلك وأما البعض الآخر الذي رفض ذلك وقرر أن يدخل هذا المجال المربح فاتبعوا معه نفس الأسلوب المتبع في سوق السمك فما كان من التاجر الكويتي الذي يقوم باستيراد الفاكهة أو الخضار إلا أن يقوموا بحرق الأسعار إلى أدنى الحدود وكما نعرف أن بلادة البلدية تركت هذا السوق منذ الستينيات دون تطوير وإلى يومنا هذا بالطبع فهو دون تكييف ففي حالة عدم بيع البضاعة خلال ثلاثة أيام تتلف وهكذا يقع هذا التاجر المسكين في خسارة تلو الخسارة، وإذا قرر التحدي والاستمرار فهذه المجموعة المحتكرة على مر الزمن سيطرت على أماكن التصدير الرئيسية بالأخص في أسواق الخضار في بلاد الشام وقاموا بشراء مجموعة كبيرة من المزارع والأراضي الزراعية فيتم منع بيعه من المصدر بسبب قوة نفوذهم وإذا ما قرر الشراء من الدول الأوربية أو أميركا فهو يواجه أيضا بحرق الأسعار وعدم وجود منافذ توزيع تقوم باستقبال هذه البضاعة، بالإضافة إلى حاجتها إلى مصاريف إدارية كبيرة لتوزيعها على أنحاء البلاد، وطبعا جهود د.محمد الصرعاوي وزملائه ذهبت أدراج الرياح، ومازالت البلدية متخاذلة، فتصور دولة بمثل هذه الإيرادات الضخمة والفوائض المالية يظل سوق الخضار لديها بهذه الصورة منذ الستينيات في الصيف تذوب الفواكه وتذبل وتضطر لشرائها بغير صورتها الطبيعية بسبب عدم وجود التبريد وارتفاع الحرارة بسبب تخاذل البلدية وسوء إدارتها وقوة الاحتكار في هذا السوق الذي يبتلع أموال الكويتيين ويعطيهم فواكه درجة ثالثة بأسعار الفواكه بالدرجة الأولى. الدولة أمام هذه المعضلة قررت حلا آخر وهو إنشأ شركة حكومية هدفها الأول هو تنظيم استيراد سوق الخضار والفواكه، بالأخص الخضراوات ذات النشأة الكويتية من مزارع العبدلي والوفرة وقامت بإنشائها من أموال الدولة ولكن للأسف الشديد سوء الإدارة وايكالها إلى من هو ليس بكفء لإدارتها جعلها تقع في خانة الفشل وتم استغلال المزارعين الكويتيين أسوأ استغلال فأصبحوا يشترون كرتون الطماطم بـ 5 فلوس ويبيعونه بـ 500 فلس والخيار وغيره من الخضار مما أوقع المزارعين في خسارة محدقة وأصبحوا يعتمدون على الدعم الحكومي وكثير منهم من ترك هذه المهنة المتعبة وأما من بقي فهم ممن يحبون هذه المهنة وليس بهدف الربح وهذا طبعا بدلا من تشجيعهم وشراء منتجاتهم بأسعار مربحة وتصديرها، ففي الولايات المتحدة تشتري الحكومة الأميركية القمح من المزارعين بأقل من الأسعار العالمية وتقوم ببيعه بأسعار الدعم إلى كثير من دول العالم بما فيها الكويت فأذكر عندما كنت في المطاحن أسعار طن القمح 120 دولارا وتبيعه علينا الحكومة الأميركية بـ 90 دولارا للطن وبأسعار الدعم وكانت قد اشترته من المزارعين بسعر 120 دولارا للطن فلنتصور لو حدث هذا مع المزارع الكويتي ماذا يحدث عندنا لقطاع الزراعة.. طبعا سوف يصبح من أفضل القطاعات المنتجة في الناتج القومي الإجمالي..وعموما بينما أنا أكتب هذه المقالة أوردت الصحف أن البلدية لتوها انتهت من إنشاء سوق الخضار الجديد في الصليبية ومن خلال الصور فأنه يبدو أنه جديد ومبني بصورة حديثه ولكن العبرة بالإدارة والنتائج وليس العبرة بالمباني فالمطلوب القضاء على الاحتكار واستغلال المستهلك الكويتي.
وفي الختام نحن نرى أن من أهم الأمور التي تقضي على الغلاء في الكويت منع الاحتكار وإذكاء روح المنافسة، إنشاء جمعيات حماية المستهلك، وزيادة الوعي الاستهلاكي بالمجتمع، ووضع معدلات قياس الأسعار ونشرها دوريا، الرقابة على الجودة وفق معدلات عالمية وتطبيقها على الأخص للسلع المستوردة، تشديد رقابة البلدية والتجارة على الزيادات المفتعلة في الأسعار، ومراجعة الرواتب دوريا بالأخص للمتقاعدين.
رأي خبير اقتصادي...رؤية مختلفة
(وصلني هذا الرد الشخصي من صديق عزيز وهو احد الخبراء المرموقين بالكويت وأحببت أن أشارك القارئ فيه لما فيه من الفائدة)
الأخ الفاضل/ د. وليد الحداد
السلام عليكم
قرأت مقالتك الرشيقة حول الاحتكار والاقتصاد الكويتي، إلا انك يا دكتور أشرت إلى قضية واسعة جدا وهي قضية وكلاء السيارات في الكويت والتي تشتمل على مجموعة كبيرة من الموضوعات الشائكة لا تقتصر فقط على ما ذكرته بل تتسع لتشمل قضايا التسعير فسعر السيارة عندنا اكبر بكثير من أسعارها في بقية العالم، ثم قضايا الصيانة وما بعد الخدمة، والتدخل السافر في سوق التمويل دون رقابة من قبل السلطات النقدية ودورهم في توليد وخلق النقود ورفع معدلات التضخم ومنافسة البنوك، بالإضافة إلى زيادة النزعة الاستهلاكية في المجتمع، والتفنن في خلق أدوات ابتكارية للإعلانات المغذية لشهوة الاستهلاك دون القيام بدورهم في المسؤولية الاجتماعية حيث إن هناك ارتباطا واضحا بين مبيعات السيارات وتلوث البيئة على سبيل المثال، وعلى الرغم من وجود اتحاد لوكلاء السيارات إلا انه لم يبحث في قضايا وسبل توسيع دائرة المنافسة من خلال فتح المجال أمام وكالات جديدة أومن خلال وكلاء جدد، كما إن انسياب المعلومات قضية اخطر من الاحتكار بل هي سبب ونتيجة له كما أشرت إلى ذلك في مقدمة المقالة عن نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تلقى الركبان ولو انتقلنا للخارج لوجدنا تمييزا واضحا من قبل السلطات الأميركية ضد شركات مثل تويوتا وهوندا وإبراز مشكلات فنية في هذا الوقت حماية للمنتجات المحلية لشركات دودج وجي إم سي حتى لا تزيد معدلات البطالة في الوقت الذي تطالب فيه تلك الشركات بدعم مماثل لما تم توجيه لقطاع البنوك، وهو تمييز يقترب من أوبرا ومن خدامتكم المكسيكية فليس المقارنة بين المجتمع الأميركي ومشكلات الأقليات قد تشفع في تقبل الانتهاكات التي تقع ليل نهار لمجتمع العمالة الذي يزيد على أعداد الكويتيين بل ان أعداد الخدم يزيد أيضا أو يقترب من عدد الكويتيين والانتهاكات كثيرة لكن الدفاع يكون عبر إصلاح نظام الخدم في الكويت والاستفادة من تجارب عالمية وإقليمية مثل تجربة الإمارات التي تعتمد نظم التشغيل الجزئي لبعض الوقت، أو اشتراط أن تكون الخادمة مع زوجها في مهن تحتاجها الكويت بدلا من الهوام من الخدم الذين يلوثون شوارع الكويت، ثم قضايا الأجور والكفيل فموضوعاتك من العيار الثقيل التي تشتمل على شجون كثيرة إلا أنني أهنئك على مقالتك الطيبة التي تعكس فجرا مصلى وليلا ممتلئا بالمتابعة العالمية حتى وان كانت مع أوبرا.
[email protected]