اشتد اهتمام الشارع الكويتي والساحة السياسية الكويتية بموضوع التخصيص خصوصا بعد التصـــويت عليه بالموافقة في مداولته الأولى في 16/4/2010. وموضوع «التخصيص» في الكويت ليس وليد الساعة، إنما له تاريخ طويل شاركت فيه وبشكل مباشر كل من الحكومة ومجلس الأمة وجمعيات النفع العام والنقابات العمالية والبنك الدولي والشركات النفطية العالمية، ولايزال «التخصيص» حتى هذا اليوم محل صراع سياسي شديد لما له من تبعات في تغيير البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد والعباد. ويستعرض هذا المقال لمحة تاريخية عن «التخصيص» في الكويت مع تسليط الضوء على أهم الظروف والعوامل والمشاريع التي ارتبطت به.
شهد تاريخ الكويت الاقتصادي العديد من عمليات التخصيص أبرزها منح حق الامتياز النفطي والغاز لشركتين هما «جلف الأميركية» و«برتش بتروليم البريطانية (بي بي)»، بتاريخ 24/12/1934، حيث يعتبر منح الامتياز لصالح مستثمر أجنبي ولمدة 75 عاما أحد أساليب التخصيص المتعارف عليها عالميا. وقد استمرت الحكومة بالتخصيص (للأجنبي) من خلال منح امتيازات التنقيب والاستكشاف للعديد من الشركات النفطية الأجنبية حتى نهاية عقد الخمسينيات من القرن الماضي.
وفي عقد الستينيات، وبعد نيل الكويت استقلالها واعتماد الدستور وبداية الحياة البرلمانية، تم توقيع اتفاقيات امتياز ولكن بشكل محدود، كاتفاقية عام 1961 بين حكومة الكويت وشركة شل للتنقيب في المياه الإقليمية خارج المياه الامتيازية (أي التي سبق أن منحتها الحكومة لشركات نفطية أخرى)، واتفاقية عام 1967 بين حكومة الكويت وشركة البترول الوطنية والشركة الاسبانية.
وقد كان عقد السبعينيات بداية فعلية لعمليات استملاك الحكومة للقطاع النفطي حيث تمت أيلولة شركة نفط الكويت المملوكة للشركتين «جلف» و«بي بي» إلى الحكومة الكويتية بعد مفاوضات طويلة انتهت بتعويضهما بمبلغ 50.5 مليون دولار، مقابل استملاك الحكومة للشركة بالكامل في 1/12/1975. أما قطاع الصناعات النفطية اللاحقة كالمصافي والبتروكيماويات وشركة ناقلات النفط الكويتية فقد كانت مملوكة للقطاع الخاص الأجنبي والمحلي بنسب متفاوتة. وقد قامت الحكومة بشراء حصة القطاع الخاص في تلك الشركات بالكامل وبسعر 87 دينارا لسهم شركة البترول الوطنية بتاريخ 17/5/ 1975، وبسعر 51 دينارا لسهم شركة الصناعات البتروكيماوية بتاريخ 19/3/1976، وبسعر 4.5 دنانير لسهم شركة الناقلات بتاريخ 17/6/1979. وقد تم ضم جميع الشركات تحت مظلة مؤسسة البترول الكويتية بعد إنشائها في 12/1/1980، وبذلك تكون الحكومة قد سيطرت سيطرة كاملة على القطاع النفطي والغاز والصناعات التابعة له. وما يسمى بعملية «التخصيص» تحولت إلى عملية «التعميم». وللتاريخ، فإنه يسجل لمجلس الأمة آنذاك دوره البارز في استخدام سلطته التشريعية لإتمام عملية تحويل قطاع الإنتاج النفطي من القطاع الخاص (الأجنبي) إلى القطاع العام، من خلال المطالبة برفع نسبة مشاركته إلى 60% في 29/1/1974، ثم إلى التملك الكامل في 1/12/1975.
وفي النصف الأول من عقد الثمانينيات، تعرضت أسعار النفط إلى انخفاض ملحوظ من حوالي 40 دولارا للبرميل إلى 5 دولارات للبرميل في عام 1985، وأثقل هذا الانخفاض كاهل الميزانية العامة للدولة الأمر الذي أدى إلى التفكير في الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة والموافقة على أول خطة تنمية تصدر بقانون من مجلس الأمة، والاستعانة بخبرة البنك الدولي لإنجاز عملية إعادة هيكلة الاقتصاد الكويتي باتباع حزمة من السياسات الإصلاحية منها التخصيص. وقد تم تأسيس شركة الاتصالات المتنقلة (زين) كشركة مساهمة عامة بتاريخ 22/6/1983، حيث نقلت إليها خدمات الهواتف النقالة التي كانت تقدمها وزارة المواصلات. ومن الفترة 1986 إلى 1990 (فترة حل مجـــلس الأمة) لم تنفذ أي من توصيات البنك الدولي فيما يخص إعادة الهيكلة، كما لم تنفذ الحكومة الخطة الخمسية للتنمية التي كان من ضمن أهدافها تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري عالمي.
بدأت الحكومة بعد تحرير الكويت من العدوان العراقي الغاشم في عام 1991 عملية «إعادة الأعمار» ولجأت إلى الاقتراض من البنوك العالمية باعتباره وسيلة أقل كلفة من بيع استثماراتها الجيدة في الخارج، كما استعانت الحكومة بالبنك الدولي لدراسة القطاعات الحكومية القابلة للتخصيص. وقد كان لضعف الإيرادات النفطية وارتفاع ديون إعادة الأعمار على الدولة (حيث بلغ عجز الميزانية العامة حوالي 9.5 مليارات دينار للعام 1994/1995) دافعا رئيسا في التوجه نحو الخصخصة. ومن أهم المشاريع هي شركة إيكويت للبتروكيماويات التي تم تأسيسها في عام 1995، وبدأ تشغيل مصنعها في عام 1997، حيث تم تخصيصها للمستثمر الأجنبي (داو كيميكال) وللقطاع الخاص الكويتي (شركة بوبيان للبتروكيماويات) والحكومة (شركة الصناعات البتروكيماوية).
تربع موضوع الخصخصة على قمة أولويات اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة بعد عودة الحياة البرلمانية في عام 1993، حيث قامت اللجنة بمخاطبة الاقتصاديين الكويتيين ووزعت عليهم استبيانا تفصيليا حول موضوع الخصخصة، وعقدت ندوة بهذا الشأن بالتعاون مع الجمعية الاقتصادية الكويتية حضرها العديد من المختصين، والتقت بوفد البنك الدولي الذي تسلم نتائج الاستبيان، كما قامت اللجنة بزيارة ماليزيا ونيوزيلندا والمكسيك والبنك الدولي في واشنطن في الولايات المتحدة الأميركية، وأعدت تقريرا ضمنته تصوراتها وأفكارها وتجارب الدول ورأي البنك الدولي في عملية التخصيص في الكويت.
ومن المهم الإشارة إلى توصيات دراسة البنك الدولي حول القطاعات الحكومية القابلة للتخصيص التي تقدم بها لوزارة المالية في مطلع عام 1995 وأهمها: تخصيص 74 مشروعا حكوميا في مختلف القطاعات الاقتصادية، تقدر قيمتها الإجمالية (باستثناء قطاع النفط) بحوالي 3.6 مليارات دينار (أي ما يعادل 12 مليار دولار) منها تأجير تسهيلات مؤسسة الموانئ وبيع شركات النقل بما في ذلك الخطوط الجوية الكويتية مع الاحتفاظ بنسبة 25% منها. أما القطاعات الأخرى القابلة للتخصيص بدرجات متفاوتة فهي قطاع الاتصالات، النقل البحري والجوي، الصحة، التعليم، الكهرباء، الصرف الصحي، الموانئ البحرية، المطار، العقارات، التأمين، البنوك، الأغذية، ومصافي تكرير النفط والبتروكيماويات. كما أوصت دراسة البنك الدولي ببيع 25% من مؤسسة البترول الكويتية بكامل شركاتها التابعة، إلا أن الحكومة اختلفت مع البنك في تخصيص قطاع النفط ورفضت مقترحه لاعتبارات لها علاقة بسيادة الحكومة.
وفي نهاية عام 1996، تقدم 5 أعضاء بالاقتراح بقانون بشأن تنظيم برامج وعمليات التخصيص، تضمن 42 مادة. وفي عام 1999، حل مجلس الأمة قبل أن يتم التصويت عليه. وبعد عودة الحياة النيابية لم يتبن أي من النواب مشروع قانون التخصيص. وفي عام 2001، تدارست اللجنة المالية والاقتصادية مشروع قانون التخصيص ـ وقتها كنت مستشارا للجنة ـ وأعادت صياغته لتوفير حماية أكبر للعمالة الوطنية إلا أنه لم ير النور.
واليوم، وبعد 9 سنوات، تم التصويت على مشروع قانون التخصيص الذي أعدته الحكومة بشكل ومضمون مختلف عن مشاريع قوانين التخصيص السابقة، وقد حاز موافقة المجلس في مداولته الأولى، وقد تقدم عدد من النواب والكتل السياسية في المجلس بتعديلات عليه لتتدارسها اللجنة المالية والاقتصادية تمهيدا للتصويت على المداولة الثانية.