يقول الربيع: أنا شابٌ الزمان وحَيَاة النفوس وأنا زينة العروس التي تجلّت بحليها وزخارفها ونزهة الأبصار ومنطق الأطيار وأيامي كلها أعياد ومواسم فيها يخضر النبات ويظهر الزهر بألوانه الزاهية ويفوح بين جنباتها أطيابها وعبيرها وتفيض عيون الأنهار وتغرد الطيور على منابر الأنوار والأزهار ويعتدل الليل والنهار وبالربيع تحمر الورود خدودها.
إن هذا الرَّبيعَ شيءٌ عجيبٌ *** يُضْحِك الأرض مِنْ بُكاء السَّماء
ويقول الصيف:
أنا الصديق الصادق والطبيب الحاذق اجتهد في مصلحة الأحباب وأرفع عنهم كلفة حمل الثياب وأخفف أثقالهم وأغنيهم عن شراء الفراء وحين توقد الشمس نارها وتذكي أوارُها تنضج الفواكه والرطَب وينصلحُ مِزاج العِنب ويقوي قلبُ اللوز ويلين عطف التين وينعقدُ حَبَّ الرمان وتخضبُ وجنات التفّاح وتسودُّ عيون الزيتون. حرٌ يلفح الوجه وشمس تصهر الأبدان وتذيب قَلب الصخر ويُنضج الجلود ويذيب الجلمود.
وَهَاجِرَةٍ تَشْوِي الوُجُوهَ كأنَّها *** إذا لَفَحتْ خَدَّيَّ نارٌ تأجَّجُ
ويقول الخريف:
أنا سائق الغيوم والسحائب الممطرة وحاسر نقاب المناقب وأجود بالندى وأظهر كل معنى جلّي وأسمو بالوسمّي والوليّ في أيامي تقطف الثمار وتصفو الأنهار من الأكدار ويترقرق دمع العُيون ويتلون ورق الغصون ومع شقشقة الطيور مبتهجة رافلة بملابسها المجددة عن ريشها، وتطيب الأوقات وترق النسمات وتكثر الأشجار المثمرة النافعة.
إن فصل الخريف وافى إلينا *** يَتَهادى في حُلَّةِ كالعروسِ
الشتاء:
مد الشتاء وراقه وألقى أرواقه وحَلَّ نطاقه أناج بَنَوازِله وزَأرت أسود الرعد ذو صخب والبرق ذو لهب وأبرقت وانحلّتْ عُرى السماء فطبقت فهدرت رواعدها وكشّر الشتاء عن أنيابه برد زمهرير يقضقض الأعضاء والأحشاء ويُجّمدُ الريق في الأشداق والدمع في الآماق وديمه تطرب السمع بصوتها روّت أديم الثرى وتحيي الأرض بعد موتها ويقول الشتاء أيامي وجيزة وأوقاتي عزيزة.
جَاءَ الشَّتاءُ وَلَمْ أُعِدْد له فنكاً *** إلاّ ارتعاداً وتَصفِيقاً بأسْناَنِ
[email protected]