بعد أن أبحرت سفن ماجلان في المحيط الأطلسي مبتعدة عن سواحل القارة الأوربية وبعد ستة أيام من الإبحار وصلت السفن إلي جزر الكناري القريبة من المغرب، توقفت السفن للتزود بالمياه العذبة والمواد الغذائية ثم بعد ذلك أبحرت السفن الخمس.
وأشق مهمة في هذه الرحلة هي إبقاء السفن الخمس قريبة بعضها من بعض بالرغم من تفاوت حمولتها ولكن ماجلان وضع نظاما خاصا لضمان الاتصال بين السفن الخمس نظام الإشارات الضوئية فعندما يغشى الليل يوضع في مؤخرة السفينة «ترينيداد» مشعل داخل مصباح زجاجي لتقتفى السفن الأخرى آثارها بصورة دائمة وقيادة ماجلان البرتغالي العنيد حديدية فكل يوم يوقف الربابنة في الصف كأنهم جنود ثم يصرفهم بعد أن يبلغهم أوامره وكان شديد الحرص على ألا يفشي بأي معلومات عن سير رحلته وهدفها، ليكتم سر الممر المائي عن الجواسيس والأعداء والذي سمي فيما بعد بممر ماجلان ما بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ.
واصل ماجلان سير رحلته على طول الساحل الغربي لقارة أفريقيا سائرا نحو الجنوب الموازي لساحل سيراليون بأفريقيا ثم واصل السير على طول الساحل الغربي لأفريقيا حتى بلاد غينيا ولم يخبر ماجلان عن سبب تغيير وجهة سير رحلته ولعله واصل السير على طول الساحل الأفريقي حتى بلاد غينيا ليقابل الرياح المقبلة من الغرب، وهذا سر من أسرار الملاحة عند البرتغاليين كان الإسبانيون يجهلونه، ولعله أيضا انحرف في طريقه لينجو من السفن التي أرسلها مانويل ملك البرتغال إلى البرازيل للاستيلاء على سفنه.
ثم بعد ذلك واصل ماجلان سيره نحو الغرب قاصدا سواحل البرازيل وماجلان يتصف بصمت وبرود عجيبين، وأشد الإهانات فظاعة لا تؤثر في أعصابه بل إنه يظل محتفظا بهدوئه وبروده المتناهي يجعله قادرا على رؤية الأشياء بوضوح تام وهو يجيد وضع الخطة التي يجب السير عليها في الوقت الذي يكون فيه سجين صمته ورأى من الخير استشارة الربابنة القدماء المجربين لا في إهمالهم أو طراح مشورتهم وفي 29 نوفمبر 1519م وصلت السفن الخمس إلى أرض البرازيل ودخلت السفن إلي خليج ريو دى جانيرو وقد بدا لبحارة السفن المنهكين كأنه الفردوس وما أن اقتربت السفن من الشاطئ البرازيلي حتى خرج السكان من أكواخهم وغاباتهم واستقبلوا البحارة وهم مطمئنون لأولئك الأغراب الوافدين عليهم لابسين الدروع وبعد ساعات من نزول الاسبانيين إلى اليابسة بدأت حركه التبادل بينهم وبين السكان والأسعار الزهيدة التي تبيع السكان منتجاتهم فإنهم يعطون خمس دجاجات أو ستا مقابل مشط واحد وعشر ببغاوات نظير مرآه صغيرة وجرس واحد يكفي للحصول على سلة مملوءة بالبطاطس وبينما كان ربابنة السفن والبحارة يلتهمون الطعام وصيد السمك كان أمير البحر ماجلان يتأهب لاستئناف الرحيل فهو لا يغضبه أن يلهو البحارة ولكنه يحافظ بدقه النظام وقد عمل بالقسم الذي ارتبط به تجاه ملك اسبانيا فمنع الرقيق على طول الساحل البرازيلي كما حرم أعمال العنف كيلا يكون للبرتغاليين سبيل للشكوى.
وقد نجح أمير البحر ماجلان بهذا السلوك النبيل فإنه حين اتضح لسكان البلاد الأصليين أن الأجانب لا يضمرون لهم سوءا أوفدوا جماعات على أمير البحر ماجلان ورفاقه يختلطون بهم في اطمئنان تام.
وفي أواخر ديسمبر أقلعت السفن الإسبانية مبتعدة عن خليج ريو دي جانيرو البرازيلي الذي ترك في نفوس رجالها أطيب الذكريات وراحة الضمير وأمير البحر ماجلان وربابنة السفن الخمس لم يرتكبوا عنفا ولم ينتزعوا أحدا من بيته فقد نزلوا على الساحل بسلام ورحلوا عنه بسلام وغادر البحارة بحسرة خليج ريو دى جانيرو الساحر.
وأصبح ماجلان في حالة تمنعه من الراحة فهو مدفوع إلى الأمام برغبة ملحة لاكتشاف الممر المائي بناء على ما جاء في خريطة مرتان بيهايم وتقارير البرتغاليين المغامرين أن الممر موجود في مكان معين وهذا ما حمل أمير البحر ماجلان السير جنوبا بمحاذاة الساحل الشرقي لأميركا الجنوبية.
[email protected]