شهد العالم بأسره خلال العقود المنصرمة نماذج وتغيرا في أنظمة الحكم ومنهج المعيشة، فمر على العالم أباطرة وقياصر ورؤساء وملوك وشيوخ... الخ، نحا كل منهم منحى وفق المعطيات الداخلية والعوامل الخارجية.
وخلال عقد الستينيات وما بعده من القرن الفائت وعندما حصلت معظم الدول على الاستقلال، ارتأت أن تبني أنظمة حكم نابعة من العوامل الداخلية قدر الإمكان، فاتخذت هذه الحكومات من منهج فصل السلطات واتاحة وسائل الحرية والديموقراطية دربا تسلك فيه أغوار الحياة والمعيشة، فبتنا نستمع الى مصطلح متخذ القرار وأضحينا نرى منعطف صانعي السياسات وأصبحنا نشاهد منفذي القرارات وصاحب كل ذلك جوقات من المستشارين وزمر من المفكرين والمحللين.
وكانت نتيجة كل هذه التحولات واحتكاك الدول النامية أو النائمة بالدول المتقدمة أن نسخوا منهم تجارب قد لا تكون ملائمة أو تواكب المتطلعات الشعوبية لها، ومما تبنته هذه الدول المنظور السياسي والمنظور الاقتصادي، وإن كان كثير من البشر لا يفرقون أو يخلطون بين هذين المنظورين.
في المنظور الاقتصادي يهدف الاقتصاديون وآخرون من تخصصات أخرى وبالاستعانة بالخبرات المحلية والأجنبية الى إيجاد حلول لمختلف التحديات الاقتصادية، وحري بالذكر أن التوصيات للتغلب على هذه التحديات أو لتخفيف أثرها على الاقتصاد الوطني قد تتطلب فرض منهجيات ليس لها قبول شعبوي، لاسيما إن كانت تتعلق بمصادر الدخل وزيادة في الضرائب أو في السلع الاستهلاكية والمهمة، بل والضرورية للأفراد والمجتمع.
وعلينا أن ننتبه ونشير الى أن العاملين في هذا المنظور الاقتصادي يقترحون - ووفق معطيات مختلفة - ما يرتأون أنه أفضل الحلول لهذه التحديات، وان كان هنالك رفض اجتماعي، إلا أنهم يعملون من انطلاقات علمية وأكاديمية وليسوا هم بفارضي هذه المقترحات.
ويأتي هنا دور المنظور السياسي، وفيه يدرس صانعو القرار والقيادات السياسية شتى الاختيارات لتنفيذ ما قد يعتقدون أنه أنسب الحلول، وعليهم التأكد من أمرين، الاول أن يكون هنالك أدنى تأثير سلبي على المجتمع والأفراد، وثانيا إيجاد البدائل والسياسات إذا ما قوبل هذا التطبيق بالرفض المطلق من المجتمع.
وفي المنظور النيابي، وفي الدول الراسخة ديموقراطيا قد يساندون صانعي القرار السياسي، أما في المجتمعات حديثة العهد بالديموقراطية، وممن ينظرون الى ناخبيهم ويعملون الجهد لإرضائهم، وإن كان ذلك على حساب الدولة والاقتصاد، فإن الحالة والوضع قد يزدادان حرجا وتأزما، مما يجعل القيادات السياسية في وضع لا يحسدون عليه، إلا أن التنمية وتطور المجتمع يجب أن تكون لهما الأولوية، مهما صاح الصائحون، أو ندب النادبون.
[email protected]