شهدت وتشهد البشرية إلى قيام الساعة أناسا دأبوا السير على نهج أسلاف لهم بخير أو بشر، وعندما تنظر الى شخص ما يخال لك أنه حاتم الطائي إن كان كريما أو قارون إن كان متكبرا أو النمرود إن كان صلفا، وهكذا.
في عصر سيد البشرية، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، برز المنافقون الذين اتسموا بإظهار عكس ما يبطنون، وكان من بينهم الاخنس بن شريق الذي تظاهر بالإيمان والتقوى وحسن الخلق امام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وعندما غادرهم مر بمسلمين فحرق زرعهم وعقر حمرهم، وهو كاره لهم شديد الخصومة، والاخنس هذا هو الذي وردت قصته في سورة البقرة يخرب كل أرض تطؤها قدماه ويضر المسلمين بحيل وإتلاف للمحصول وقتل للأنفس وعاث ونشر كل انواع الفساد والمظلمة وعندما ينبه إلى أفعاله يتمادى في غيه تعززا واستكبارا، ووعد الله مثل هؤلاء بجهنم ليناموا في مهادها خالدين، وإذا ما تبصرنا في أحوال العرب والمسلمين خلال سنوات وعقود خلت، ألم يشهدوا مثل الأخنس بن شريق من أمثال الحجاج بن يوسف مرورا برؤساء وزعماء ومتنفذين مارسوا كل أنواع التعذيب والتنكيل والحرق والدمار والعبث بأموال الدولة؟ ومثل هؤلاء عندما تسمع لخطبهم واحاديثهم في وسائل الإعلام والمنتديات تظن انهم مخلّصو هذه الأمة ومنقذوها من الجور والاستبداد والظلم، وأنهم حاملو راية الاصلاح وسن القوانين والتشريعات التي تحمي النفس والحرث والنسل.
عندما آلت الخلافة لسيدنا الحسن بعد استشهاد سيدنا علي بن أبي طالب، عليهما السلام، سعى آل أمية برئاسة معاوية بن ابي سفيان للوصول الى الحكم، وكما ذكر الرسول قبل وفاته فإن سيدنا الحسن تنازل لدرء المفسدة ولتجنب القتل والعداوة، والكل يشهد بأنه أحق بالخلافة من بني أمية، وتزداد عجبا عندما ترى من يتأسون بسيرة آل البيت عليهم السلام هم من يساندون القتلة والسفاحين ومهلكي الحرث ومدمري المدن والنسل ومن يزيدون أعداد الأرامل واليتامى من المسلمين، ألم يذكر الله في محكم كتابه أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا؟ أولم يذكر سيد الخلق عليه السلام أن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل الإنسان؟
تلخص لنا قصة الأخنس بن شريق ومن شابهه ان شدة الخصومة مذمومة عند سيد الإنسانية عليه وعلى آله السلام، وهي من صفات المنافقين لحبهم للدنيا، كما تدل قصته على ان الاقوال التي تصدر عن اشخاص من امثال مرشحي المجالس النيابية ليست دليلا على صدق أو كذب أو بر أو فجور حتى يتبين للناس العمل المصدق والمزكي لها، والنظر لقرائن احوالهم، وعلينا ألا نغتر بمعسول كلامهم أو تزكية أنفسهم أو تبريراتهم، إذ إن الاخنس بن شريق ومن على شاكلته قد وعدهم الله بجهنم مطلقا وهي بئس الفراش والمأوى والمهاد.
[email protected]