لا يخفى على كل ذي لب، ولا يغيب عمن يتمتع ببصيرة حقة، ولا يستتر عن كل طالب للحق والعدل والإحسان أن كتاب الباري قد أفرد في الـ 114 سورة المكية منها والمدنية شؤون الإنسان ودواعيها في حياته.
ولنتفكر في قوله تعالى فيما يتعلق بالحياة الزوجية (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ـ الروم: 21).
حددت هذه الآية الجليلة، وقد يخفى على الكثير ذلك، مراحل الحياة والعشرة الزوجية، إذ ان وبعد خلق الإنسان من مادة التراب وصيرورته، بعد تقلبه في أطوار التكوين، بشرا سويا صالحا لاستخلافه في عمارة الأرض، جعل منه الذكر والأنثى للائتلاف والتزاوج والتناسل، ليبقى النوع الإنساني الى ان تقوم الساعة.
فما هي مراحل العشرة الزوجية؟ هي ثلاث مراحل، ففي المرحلة الأولى وهي في السنوات الأولى من الزوجية، ولنقل من العشرينيات وحتى الاربعينيات، حيث يكون للطرفين ـ الزوج والزوجة ـ القوة والنشاط للتعاشر والسفر والقيام بأعباء العيش والولادة وتربية الأولاد، وزعل تارة ورضا تارة اخرى، وحرمان فينة وتواصل فينة اخرى لكون الزوجين في بداية حياتهما وتقلبات وتحديات الحياة تثقل كاهلهما، فليس الغنى هو الحل الوحيد المتبقي للعشرة الزوجية فحسب، بل هناك الرؤوم والمحبة والتضحية، ففي هذه المرحلة حدد الخالق سكن كل زوج لزوجه ليتم التآلف والميل، اي انه سبحانه قد قرر ما فيه سكنكم وراحة نفوسكم فيحصل الاستمتاع واللذة ورغد العيش والإنجاب.
أما المرحلة الثانية وهي الأربعينيات والخمسينيات اذ يبدأ ثقل الحياة في الجسم والحركة والعزوف عن ملذات كانت مبتغى للطرفين في باكورة زواجهما، وقد تبدأ الأمراض كضيف ثقيل عليهما، فلا يحتاج الزوجان في هذه الحقبة العشق والغزل وحميم اللقاء والتجول والمتنزهات كما كانت من ذي قبل، لذلك تنجم مرحلة المودة بينهما وهي المحبة لذكر ما قد سلف ورؤية الأولاد والأحفاد، وتكون ملأى بالود والتراحم وشفقة بين الرجل وزوجته في ظل عصمة النكاح.
أما المرحلة الثالثة فهي في الستينيات وما بعد، حيث يخلد الزوجان الى الراحة والسكون والاقتناع بما حولهما من نعم الحياة، وتخمد لديهم أنشطة الخروج والسفر والتنقل والشد والجذب، ويزداد الأمر سوءا بانتشار الأمراض وتعددها، ففي هذه المرحلة يتطلب كل طرف من الآخر الرحمة وهي الرأفة وعطف البعض على الآخر والنهي عن الزجر والشرهة والعتب ومتطلبات الحياة التي دأبا عليها.
هي مراحل ثلاث حددها الباري لنا لنتفكر في ذلك بآياته عظيمة الشأن بديعة البيان على قدرته وحكمته، فلعلنا نتدبر آيات الخلق هذه وغيرها حتى نتعرف على ذات حكمته وعظيم جلاله سبحانه.
[email protected]