[email protected]
(فهل من مدكر).. وردت هذه الكلمات الثلاث بصورة استنكارية ست مرات في صورة القمر المكية ذات الخمس والخمسين آية، بعد وصفها لكل من الأقوام الذين آذوا أنبياءهم، عليهم السلام.
فهذا التساؤل القرآني الجليل ينادي: هل من متذكر مُلقٍ ذهنه وفكرته لما يأتيه منها؟! إذ انها في نهاية البيان واليسر، لاسيما أن الله قد يسر القرآن وردد ما فيه من القصص القرآني والعبر لتكون للذكر.
ففي القرآن الكريم، وفي سورة سيدنا يوسف عليه السلام تلك السورة المكية الجليلة، والتي نزلت على قلب نبينا، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، فيما يسمى بـ «عام الحزن»، ذلك العام الذي توفيت فيه سيدتنا وأمنا خديجة، عليها السلام، وعمه أبو طالب، واللذان كانا الحصن المنيع والسد المهيب لنبينا عليه السلام، لتسليه وتخفف عما ألمّ به من خطب وحزن، لماذا؟ لأن هذه السورة الجليلة، وهي الوحيدة التي ذكرت فيه قصته عليه السلام، بينما ذكرت قصص الأنبياء الآخرين في مواضع متباينة من القرآن.
ففي طيات هذه القصة يتبين لنا كيف أن الحسد والحقد ألما بإخوة يوسف، فعزموا على قتله أو نفيه لمعزة والده له، ولا ريب في أن إخوة يوسف ألبسوا عليه تهمة السرقة، وهو منها براء، ذلك أن عمة له قد شغفها دلالا وحبا، فطلبت من أبيه أن تحتضنه، فرفض سيدنا يعقوب ذلك لتولعه به، وخيرها بأن تختار ما تشاء من اخوته، وحيث إن كيدهن عظيم، ففي إحدى زيارات يوسف عليه السلام وضعت حول خصره حزاما من ذهب، وادعت أنه قد سرقه، لكي تحتضنه عندها فترة حسبما كان شرعهم آنذاك.
وقاسى بعد ذلك عليه السلام من إيذاء امرأة العزيز ومكر النساء حتى أودع السجن لسنوات خلت.
وبعدها أذن الله بالفرج بعد ثلاثين سنة برؤيته لإخوته وأبيه ساجدين له وتبوأ خزائن الأرض ومن ثم ملك مصر.
والقصة الثانية هي حكاية الأخنس بن شريق كما وردت في سورة البقرة، حيث كان يتلون بحسن الكلام، ثم ينتقم من الخلق، وحتى الحيوان والزرع، فهذا الأخنس مراء، شرير، زلق اللسان، يعجبك مظهره، ويسوؤك مخبره، فإذا دُعي إلى الصلاح وتقوى الله عز وجل لم يرجع الى الحق، ولم يحاول إصلاح نفسه، بل تأخذه العزة بالإثم، ويستنكف عن فعل الحق والخير، ماضيا في غيه ليحرق الحرث والنسل ويدمر البلاد.
والنموذج الثالث لعبدالرحمن بن ملجم، ذلك البغي اللقيط، الذي تكفله سيدنا علي بن أبي طالب عليه السلام وأحسن رعايته.
ولما أراد الخوارج النيل من إمام المتقين قتلا فشلوا لعدم قدرة أي منهم على أن يجابه فاتح حصن خيبر وجها لوجه، فما كان منهم إلا أن استمالوا ذلك القاتل الزنيم بإغرائه بالمال والنساء ليخبرهم بأنه اذا دخل في صلاة الفجر نسي نفسه، فقدموا له خنجرا مسموما لينال من خليفة المسلمين بالغدر، حيث توفي عليه السلام بعد ذلك ببضعة أيام.
بعد هذه القصص دعونا نتساءل: هل مر علينا في وقتنا الحاضر أمثلة لاخوة يوسف؟ وهل مر علينا من هو عذب اللسان مشين الفعل؟ وهل مرّ علينا من غدر بأهله وخان وطنه وأمته؟ لكم التفكير والتمحيص.
لذا يجب علينا أن نقر بأن التوجيهات والتشريعات القرآنية، كما ذكرها سيد قطب رحمه الله في الظلال، يتألف من مجموعها ذلك المنهج الرباني الكامل للحياة البشرية، هي ذاتها توجيهات وقبس ومنهج للتربية البشرية قائم على الخبرة المطلقة بالنفس الإنسانية ومساربها الظاهرة والخفية، يتضمن رسم نموذج من نفوس البشر خيرا كان أو شرا.