سردنا في مقالنا السابق استمرارية الوزارات ومؤسسات الدولة العامة والمشتركة بهتك حرية المال العام وقواعد المناقصات والمراقبة المالية، دون رادع. ونستكمل في مقالنا هذا عرض مخالفات أخرى.
وهذا هو مجلس الأمة - مجلس الشعب والمحافظة على المال العام! يسطر تقرير ديوان المحاسبة مخالفات عديدة له متمثلة في غياب لوائح تنظيمية لحرس المجلس! لم يغب عن إدارة المجلس ذلك، وإنما هذا نمط من أنماط شراء الولاء واكتساب الطاعة بترقيات وفق الأهواء.
وأضاف التقرير كذلك أن الأمانة العامة للمجلس قد صرفت مكافآت وبدلات لموظفيها المتمتعين بالإجازة الخاصة لمرافقة الزوج/ الزوجة مخالفة لأحكام وقواعد شؤون العاملين. لا مراء أن هذه أموال عامة وحرقها وتبذيرها لا خير فيه. خوش مجلس!
علاوة على ذلك، فإن المجلس أدرج في ميزانيته درجات لم تشغر حتى حينه وذلك انتظارا لتوزيع الهبات والدرجات. ولم يكترث المجلس بالقوانين، إذ انها لا تعتبر عنده شيئا إذ أبرم عقودا مع شركات بالأمر المباشر من دون مناقصة. واللبيب منكم يا أهل الكويت يفهم. كما أن المجلس لم يقر ضوابط للاستعانة بالمستشارين لجعل توزيع الهبات كما كانت تعطى للشعراء في غابر الأزمان.
ومن مقتطفات لهذه المخالفات: استمرار القصور وضعف الرقابة الحكومية وغياب المتابعة أثرت جمّا على حماية المال العام. أما الصرف - دون ذمة وضمير على العلاج السياحي - فقد تجاوز 727 مليون دينار - معظمها لا ريب بواسطات أعضاء مجلس الأمة الذي حلف أعضاؤه على حماية المال العام. وكذلك استمرار التعديات على الأملاك العقارية الحكومية مما تسبب في فقدان مبالغ من المال العام، بما في ذلك استغلال 110 مواقع دون تحصيل عائد أو سند قانون.
ولعدم كفاءة وفعالية إجراءات التحصيل أو عدم الرغبة في ذلك تجاوزت إيرادات الوزارة المتراكمة 350 مليون دينار. كا تبخرت 11.3 مليون دينار من استثمارات حكومية. ودخول الكويتية للاستثمار في استثمارات خارجية دون دراسات جدوى، كما أدت الأخطاء الاجرائية - هي بقصد أو دونه - لضياع 350 ألف دينار ضرائب لشركات أجنبية.
ما سبق ذكره - وغيره أدهى وأمرّ - ليس من نسج الخيال أو تجنّ، وإنما هو من تقارير ديوان المحاسبة. وقد يتوارد الى ذهن أهل الكويت أن مجلسي الوزراء والأمة سيحملان سيف عنتر لقتال المفسدين وردّ المال العام.
أما مجلس الوزراء - لا فض فوه - فقد تمخض اجتماعه وبالاطلاع على تقرير ديوان المحاسبة بأنه ولد قرارا بتلافي الملاحظات ومنع تكرارها! الله أكبر ثم الله أكبر. أما مجلس الأمة - وهو الجهة المناط بها المراقبة، وكأن شيئا لا يعنيها، وينطبق على المجلسين القول: لقد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي، أين اليمين التي أقسموا عليها بالمحافظة على أموال الدولة؟ أليس يمينهم بغموس؟
ومن هذا المنطلق وسواد وجه السلطتين أنادي باسم الكويت للقيادة السياسية، وحيث إن المجلسين هما الخصم والحكم، بأن يصار الى التعديل في قانون ديوان المحاسبة - وكما هو معمول به في تركيا - أن تعطى للديوان إضافة الى الكشف والرقابة صلاحية التحقيق مع المسؤولين من وزراء وغيرهم واتخاذ الاجراءات والأحكام المناسبة بذلك. وغير ذلك فلا نقول إلا: باي باي المال العام الكويتي.
[email protected]