أنزل الحكم جلت قدرته الاسلام من خلال قرآن محكم البيان تقشعر منه الأبدان، أوله حلاوة وآخره طلاوة. وهو لنا كمسلمين أول كتاب احتوى على الحكمة تخشع له القلوب. ففيه هدى وشفاء للصدور، وفيه ذكرى، وهو حق وموعظة للمؤمنين، وأناط لأشرف الخلق عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى التسليم رسالة أداها - ونحن له شاهدون، ذلك لكي لا يكون للناس حجة بعد ذلك.
ونسوق أدناه بيانا للناس عن فحوى الآيات الجليلة، والتي فيها نبراس للناس، إن أرادوا الاهتداء به وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
٭ (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام، بل هم أضل أولئك هم الغافلون) الأعراف 179.
وصف الله من لا يستخدم حواسه للطاعة والمعرفة وتبيان الحق من الباطل كالغافلين الذين عاقبتهم النار، لأنهم يعملون بعمل أهلها، والله سبحانه قد علم ما هم عاملون قبل كونهم، فلا قلوبهم تفقه بالأمور وانتفى عن أبصارهم ما فيه الهداية بالتذكرة والاعتبار وان كانت مبصرة لغير ذلك، وانتفى عن الآذان سماعها المواعظ النافعة والشرائع الهادية وإن كانوا ليسمعون لغير ذلك. ألا هم في نهاية الأمر كالأنعام.
٭ (وكل صغير وكبير مستطر) القمر 53.
الا ان كل شيء من أعمال الخلق وقولهم ونياتهم الخافية والظاهرة مسطورة في اللوح المحفوظ مهما تناهت في الصغر أو تعاظمت في الحجم، فالملكان رقيب وعتيد مكلفان بتسطير عمل الإنسان ذكر كان أو أنثى.
٭ (كلا إن كتاب الفجار لفي سجين) المطففين 7.
فالفجار سواء كانوا غاشين في المكيال أو حادين عن الهداية وتابعين للغواية، مكتوبون في سجل (سجين) أهل النار وفي حبس وضيق شديد، فهذا الكتاب رصدت فيه أسماؤهم مقرونة بأفعالهم الدنيئة الخسيسة، رصدت فيه أسماؤهم جامعا لأعمال الشر الصادر من الشياطين والكفرة.
وفي تسجيل آخر يذكر القرآن ويصف مكانتهم بقوله تعالى (وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين) أهنالك تهديد ووعيد أشر من ذلك؟!
٭ (كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين) المطففين 18.
ففاعلو الخير المطيعون، وهم الأبرار هم الذين سطرت أسماؤهم في كتاب مسطور في أصل عليين وهي الجنة، بل وأعاليها، وهو، لا ريب، تنعّم عظيم لا يقارن قدره إذ هم على أسرة في الحجال (الكلّة) اذ تنعكس هذه الآلاء على وجوههم من النور والحسن والبياض والبهجة والرونق.
ولقد زاد الكريم سبحانه في جمالهم وفي ألوانهم لا يصفهم واصف، يقدم لهم من الخمر ما لا غش فيه ولاشيء يفسده مختوم وممنوع من أن تمسه يد الى أن يفك ختمه للأبرار، وآخر طعمه ريح المسك تنشر رائحته الذكية في فم شاربيه، أما مزاج ذلك الرحيق فهو من تسنيم، وهو شراب يصب من عليين وهو أفضل شراب أهل الجنة، وذلك مصداقا لقول الوهاب سبحانه (إن الأبرار لفي نعيم).
هذا ما بين العدل سبحانه من الحق في أحكامه ونواهيه فليتنافس المتنافسون ويرغب الراغبون بالتسابق لجنات الخلد، أو لنقل إن أبوا أو تعالوا فوجهتهم هي سقر.
فإن كان هنالك فسحة من الوقت لمن عمل أعمالا آذى بها والديه أو أهله أو مجتمعه، وإن كان هنالك مجال للتوبة والإحسان للوالدين ورد المظالم لأهلها وإعادة ما اقترفته يداه من مال ونهب الى الدولة، فليعجل قبل فوات الأوان، يوم لا ينفع مال ولا بنون.
[email protected]