القرآن الجليل هو كلام الله، نقله للبشرية أشرف من وطأت رجله الأرض، عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى التسليم، حاملا بين طياته إعجازات تحدى بها أهل قريش والعرب والجن والإنس إن استطاعوا أن يأتوا بسورة من مثله، لاسيما آل قريش بلغاء اللغة وفصحاؤها، وهي تحديات، لا غرو، بقدرة العقل والفكر والاختبار، وإني لأعتبر الشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، من أفضل من واصل بخواطره مسببات وحيثيات هذا الكتاب لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، ففي سورة الإخلاص بين، رحمه الله، عنصر توجيه العبادة للإله الخالق، لذا حرص سيد البشرية عليه الصلاة والسلام، أن يقرن بينها وبين سورة (الكافرون) في سنة الفجر وفي سنة الضحى وفي سنة المغرب ليلة الجمعة، إذ قرنا في أمرين وهو السلب أولا، والإيجاب لاحقا، فكلمة الإخلاص ذاتها مكونة من السلب، ومن الإيجاب «لا إله».
لذا، فإن العبادة المحضة تبدأ بـ «لا إله إلا الله» وتنتهي بـ «الله»: قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ولماذا؟ لأن الذي يتصور الشريك هو الذي ينفيه، فمن خطر على باله أن هناك شريكا عليه ان ينفيه، أما الذي خلص للتوحيد ولا يتصور شريكا حتى يحكم عليه بالنفي يقول بوجدانه «الله»، فمن ينفي العيب عمن لا يستحق العيب هو ذاته عيب، فالقول «لا إله إلا الله» فكأن بذلك قد شغل ولو تصورا إثبات شريك ثم نفيه، والشريك لا يحب ان يخطر بال مع الله.
ولسورة الإخلاص عدة أسماء منها: الاساس لأنها الأساس للتوحيد، والإيمان، والبراءة لأنها براءة لإيمان قائلها، وتسمى كذلك التجريد والتفريد والتوحيد، فما دام العقل البشري نقيا كان فطريا سليما من الآفات وأن يهتدي الى قضية التشريع من نفسه كما وقع ذلك مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في اتخاذ مقام إبراهيم مصلى، الحجاب، ورود النساء بذات الصفات مع الرجال.
وعندما يأمرنا الباري، من خلال هذه السورة الجليلة، بالأوامر التعبدية والوحدانية لذاته، يتوجب على ذلك عملا محدودا في البحث عن هذا الحكم، إذ ان الإيمان هو ان نؤمن بالأمر بناء على إيمانك بالأمر، وهنا تنجم فكرة العجز عن الإدراك.
دخل حذافة على سيدنا عمر رضي الله عنه عند ولايته فسأله كيف أصبحت؟ فرد حذافة: أصبحت أحب الفتنة، وأكره الحق، وأصلي بغير وضوء ولي في الأرض ما ليس لله في السماء، فسحب سيدنا عمر الدرة لضربه، بيد ان ذلك أساء سيدنا علي بن ابي طالب عليه السلام لغضب سيدنا عمر رضي الله عنه. فأخبره بما قال حذافة، فأيده سيدنا علي بذلك فرد عمر: أوتقولها يا أبا الحسن؟ فرد بإجابة بالتالي:
٭ أصبح حذيفة يحب الفتنة، فذلك حبه للمال والأولاد لقوله سبحانه (إنما أموالكم وأولادكم فتنة).
٭ وهو يكره الحق لأن الحق هو الموت ومن يحب الموت.
٭ وهو يصلي بغير وضوء، لأن الصلاة على النبي وآله والدعاء لا تستوجب الوضوء.
٭ وله في الأرض ما ليس لله في السماء، فله زوجة والأولاد وحاشى لله ذلك، وهو من خلاصة سورة الإخلاص.
ولكون صحابة سيد الخلق عليه السلام كل يحب بعضهم البعض والكل مكمل للآخر، وسيدنا عمر رضي الله عنه يقول: بئس المقام في أرض ليس فيها أبوالحسن.
[email protected]