إن معجزة القرآن الكريم ـ كما أتحفنا بها الشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، هي للعالم كله، فهو كلام الله المتعبد بتلاوته، جاء من ذات جنس ما نبغ به العرب، عرفوا بالبلاغة والفصاحة، وحسن الأداء، وجمال المنطق، وسلامة التعبير، فتحداهم القرآن في هذا حتى إذا ما انبهروا وأعجزتهم الحيلة وصفوا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بألفاظ تأبى النفس ذكرها.
فلذلك احتوى القرآن الكريم على إعجازات جمة منها الإعجاز اللغوي، إذ نقرأ عن سير الأنبياء عليهم السلام وما سطر في القرآن من أحداث تتباين منطوقاتها وتختلف في مواضع الآيات، فمن إعجاز القرآن ما يسمى بـ «التهكم» مثل قوله تعالى (وبشر الكافرين) و(بشر المنافقين)، فالبشرى هي، لا ريب، فأل حسن، فكيف يبشرون به؟
وإن وردت أحيانا صفات لذات الأمر متباينة، فإن العوز في فهمها وتفسيرها هو بسبب نقص علمنا وقلة معرفتنا، إذ لا يعلم تأويله إلا الله والملائكة والراسخون في العلم.
ورد في خواتيم سورة البقرة تكريما للرسل والأنبياء عليهم السلام بقوله سبحانه (لا نفرق بين أحد من رسله)، عدا في تباين الرسالة أو الأعمار وهل هم رسل أو أنبياء؟ أو من أولي العزم؟ وهلم جرا.
ففي الآية (144) من سورة آل عمران ذكر الله تعالى في مغادرة سيدنا محمد عليه وعلى آله السلام الحياة الدنيا بالقول (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل) أي انه يموت كما يموت الناس أو يستشهد في قتال فيكون لكم حجة لتنؤون عن المشاركة في الحروب ونصرة الإسلام، فمحمد سيموت كما مات الرسل من قبله، وهي حقيقة وبديهية لسنة الكون، كالبشر إلى فناء، والعقيدة الى بقاء، فمنهج الله للحياة مستقل في ذاته عن الذين يحملونه ويؤدونه الى الناس من الرسل والدعاة على مدار التاريخ، فالله يحذر المسلمين بنهج لعدم الارتداد عن هذه العقيدة حين وفاة أو قتل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
وفيما يتعلق بانتقال روح سيدنا يوسف عليه السلام إلى الرفيق الأعلى، فلقد ورد ذلك في الآية (34) من سورة غافر: (ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فمازلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك)، فلماذا وصف انتقاله الى ربه بالهلاك؟ لا ريب ان معرفة معنى الفعل (هلك) في القرآن الكريم على معنى زال وفنى لقوله (هلك عني سلطانيه) و(كل شيء هالك إلا وجهه)، كما يأتي بمعنى عذاب وعقاب كقوله سبحانه (وما أهلكنا من قرية إلا ولها منذرون)، وقوله (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون).
ويطلق الفعل (هلك) كذلك على من مات وليس له ذرية أو عَقِبْ، وهذا شأن سيدنا يوسف عليه السلام حيث عمّر 130 سنة ولم يترك عقبا أو ذرية وهو الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم، خلاف سيد الخلق إذ أن آل بيته عليهم السلام قد أكملوا الرسالة.
وحيث ان القرآن يفسر بعضه البعض ففي سورة النساء وفي آيات المواريث يوصف «الكلالة» وهو «إن امرؤ هلك وليس له ولد» يتطابق وصف ذلك مع انتقال سيدنا يوسف إلى ربه لتتجلى بذلك صورة بيانية بديعة وإعجاز لغوي للتعبير القرآني ليزول بذلك الإبهام والتمحلق في الكلمتين «مات، هلك».
(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).
[email protected]