لكل مقابل يطلب في هذه الحياة عطاء يقابله، فكل عطاء صادق أخذ في العمق، لقد نشأت في بيئة وأسرة علمتني ان تعطي حتى تأخذ، ان تعطي جهدا، وقتا، علما، مساعدة، صحة، وغيرها من الامور، بل ان اصل المسألة يكمن في ان تلك الامور بعطاءاتها هو اصل السعادة كما أجمعت اعظم العقول البشرية من مفكرين وفلاسفة وعظماء ومبدعين بل حتى الرسل والأنبياء.
ان مسالة النجاح وتحقيق الاهداف العظيمة مرتبطة بعناصر مثل الإبداع والموهبة والجهد والعشق، وبحضور تلك العناصر لابد للشخص ان يكد ويتعب ويعطي في سبيل الوصول الى مبتغاه، لكنني أتساءل: ما كمية العطاء والجهد المطلوبة للوصول لمسألة التفرد والتميز، ان مما قد تعلمته في الدورات وبعض المحاضرات هو ان عليك ان تبذل الجهد لكي تصل الى القمة، وكان كلاما جميلا ولكنه غير مؤصل ومشبع على الاقل بدراسات وأبحاث توضح القضية بشكل أعمق وأوضح!
ان تفاصيل تلك المسالة أتناولها معكم بالبحث والدراسة التي اعدها عالم النفس K.Anders Ericsson حول مجموعة من عازفي الكمان من خريجي جامعة برلين للموسيقى (من أقوى الأكاديميات واشهرها في الموسيقى) بمساعدة أساتذة الأكاديمية، وقسّم اريكسون الطلبة في دراسته الى ثلاثة مستويات:
١- النجوم
٢- الجيدون
٣- العاديون
في الخامسة من عمرهم بدأ جميعهم يعزفون بمعدل 2 الى 3 ساعات في الاسبوع، ولكن في التاسعة من عمرهم بدأت تظهر الفروقات، فالمتميزون منهم رفعوا من ساعات التدريب الى 6 ساعات تدريبية، و8 ساعات عند عمر الـ 12، وفي عمر 14 سنة وصل عدد ساعات التدريب الأسبوعية الى 16 ساعة، وفي عمر الـ 20 وصلت ساعات تدريبهم الى ذروتها بمعدل 30 ساعة أسبوعيا، والتحليل الأعمق ان المتفردين منهم قد وصلوا الى 10.000 ساعة تدريبية في سن الواحد والعشرين، بينما جمع الجيدون عدد 8 آلاف ساعة، والعاديون 4 آلاف ساعة.
ثم قارن اركسون ودرس مع مجموعة من الباحثين عازفي البيانو، فوجد نفس الظاهرة قد تكررت، فلم يجدوا أحدا ممن تميزوا لم يتجاوز العشرة آلاف ساعة، والمدهش في الدراسة انهم لم يجدوا فروقا بسبب الموهبة، اي لم يجدوا تمييزا لأي شخص دون الحاجة لبذل الجهد، لقد اطلق الباحثون على الرقم 10.000 الرقم السحري للتمكن والتميز.
لقد تكررت ظاهرت الرقم 10.000 ساعة مع الكثير من المبدعين في كل المجالات، لقد بحث العلماء في التاريخ فبدأوا بدراسة موزارت الذي بدأ العزف بعمر 6 سنوات عما يذكر العالم النفسي Michael Howe في كتابه Genius Explained، ولكن موزارت لم يتميز بأعماله الاولى، والسيمفونية التي اشتهر بها وكانت بداية لتميزه كانت (No.9، k271) التي ألفها في الـ21 من عمره وبعد ان بدأ التأليف بـ 10 سنوات (يسمى كذلك القانون بقانون الـ 10 سنوات، اي 4 ساعات تدريب يومية لمدة 5 ايام في الأسبوع لمدة 10 سنوات تولد 10.000 ساعة تدريب)، كذلك تمت دراسة أسطورة الشطرنج Boby Fisher الذي وصل للتميز في الـ9 من عمره وكان الاستثناء الوحيد (اي أتم تدريب الـ10.000 ساعة قبل العشر سنوات)، وتمت الدراسة في الجانب العلمي التقني فدرسوا Bill Joy الذي بدأت ملامح ذكائه منذ الصغر، فكانت معرفة كل التفاصيل عن كل شيء وجمع المعلومات هي اهم ما ميزه منذ الصغر، نعم لم اعرفكم بعد من هو هذا الداهية العظيمة، بكل بساطة هو مخترع الـ Internet وهو من كتب لغة ال Java ويعد بمنزلة Bill agates وبعض العلماء يعتبره أعلى منه في علم الكمبيوتر، فيقول عن نفسه لقد كنت اكتب برامج الكمبيوتر بين الـ8 والـ10 ساعات يوميا، وتم سؤاله هل تجاوزت الـ 10.000 ساعة قبل التميز فكانت الاجابة: ! That›s about Right.
لقد تمت دراسة العديد من المتميزين مثل فرقة Beatles وBill Gates وانا شخصيا قمت بتتبع المتفردين في عالم كرة القدم منهم Crustiano Ronaldo وLionel Messi وRonaldinho فوجدتهم ممن يتدربون 30 ساعة واكثر أسبوعيا قبل تميزهم وتميزوا بعد العشرة آلاف ساعة.
لقد اصل العلماء شرط الـ 10.000 للتميز العالي، فالتدريب (اقصد هنا بالتدريب هو التدريب المحترف على يد الخبراء وليس العشوائي والذي يخضع للمتابعة والمراقبة والتوجيه) وبذل الجهد هو من الركائز التي تصنع المتفردين بالاضافة الى توافر الموهبة الاساسية والذي لا يمكن تجاهله، فصاحب النشاز كيف له ان يطرب، وصاحب الطول القصير جدا كيف له ان يكون احد نجوم كرة السلة !، فالمعادلة هنا توضح دور الجهد والموهبة وحب ما تعمل بل عشقه ليتحقق الإبداع في مجال ما في الحياة.
[email protected]
@YNEEMAH