[email protected]
شغلنا الإعلام العربي بحكاية «جهاد النكاح» على مدى سنوات مضت، ونسجت حكايات كثيرة حول هذا الموضوع المستجد بعد ان قرأنا حكايات فتيات مسلمات من بلدان عربية في روايات مفبركة حول هذا الجهاد المزعوم وسماسرته وانتشار فتاوى لا يُعرف مصدرها متزامنة مع الثورة السورية، اطلقتها وسائل الاعلام بغرض واضح هو الطعن في المعارضة السورية، وهدفها هز الثقة بها، رغم معرفة مطلقها ومروجها بأنه لا وجود لجهاد النكاح في الدين الاسلامي القائم على الكتاب والسنة، لأن ما يفعلونه هو «زنى وحرام» وغير مقبول لأنه اسير من اطلقه وروج له وصدقه ونشره.
وسائل الاعلام الغربية ركزت على هذا الموضوع وضخمته وهولته لتلصق التهم بنا وبديننا وعقيدتنا الاسلامية الغراء، رغم معرفتنا الاكيدة بأن هذا خيال وليس واقعا، وروجت لهذا الفكر المنحرف عبر سماسرتها ممن يلبسون اللباس الديني للاسف، وصمت الاغلبية من المشايخ والدعاة الكثيرين، وبرز تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) كمتبن لهذا الاعتقاد وداع اليه في محاولة مستميتة من الاعلام الغربي بما فيه اعلام الولايات المتحدة الاميركية للخلط بين الدين والعهر والبهتان واشياء يندى لها الجبين للاساءة لما يجري على ارض الشام. لقد اخترعوا هذا المفهوم وروجوا له في الآلة الاعلامية التي يملكونها بغية خداع الشارع العربي والعالم الاسلامي بصدق دعواهم لهذا المفهوم الجديد.
و«جهاد النكاح» ليس العرب من ابتكره، بل هو «نكاح الفرنجة» الذي اخفوه ضمن تاريخهم وسجلهم الماضي، وأنقل لكم بالدليل انه من «تاريخهم القديم» وأخلاقهم حينذاك.
وتبنته أجهزة المخابرات ونشرته على أوسع نطاق لتشوه صورة الإسلام الصحيح وخابوا، قاتلهم الله، في هذا المسعى غير المشكور الآثم.
لقد تسنت لي قراءة كتاب «المؤرخون العرب للحروب الصليبية» والذي أهداني إياه الزميل مدير التحرير محمد الحسيني، والذي حققه وترجمه نبيل رضا المهايني، وهو للكاتب الايطالي الباحث فرانشيسكو غابرييلي الذي ولد في عام 1904، وأعد هذا الكتاب بعد تقاعده في العام 1979 ونشرته الدار العربية للعلوم في بيروت في 1436هـ الموافق 2015م، والمؤلف عمل في الموسوعة الايطالية، وهو استاذ للغة العربية في جامعة روما.
يقول كاتبه في الإهداء: «أُهدي في سلة واحدة جهد هذا العمل وما سبقه وما سيأتي بعده من اعمال لم اقصد بها والله إلا ان تكون كاملة صحيحة سليمة قوية، وفي هذا مرضاة الله، فعسى ألا أكون قد ضللت أو أخطأت». وأنا أقول له: لا والله ما أخطأت وجزاك الله خيرا وليتك توسعت في المعلومات أكثر حتى تؤصل نكاحكم المثبت في سجلات التاريخ والحقيقة: نحن المفترى علينا.
الكتاب للأمانة أنصح بقراءته لأنه يذكر امانة المؤرخين العرب الذين دونوا التاريخ خلال قرنين من الزمان خلال الحروب الصليبية والقتال الذي دار بين المسيحيين والمسلمين وما سمي بـ «الحروب المقدسة»، اتفقنا في هذا او اختلفنا، يبقى تاريخا ممهورا بالدم والروايات.
إذن، كتاب «المؤرخون العرب للحروب الصليبية» كتاب قديم وجديد في آن واحد، وهو من نسخ مؤرخي العهد الغابر، لكنه لبس لباس عصرنا وتحلى بروحه بعد ان صاغه الكاتب غابرييلي واستخلصه مقاطع من مؤلفات سبعة عشر مؤرخا مسلما، وهي سجلات مدن ومناطق وسلالات حاكمة يقدمها الكاتب الباحث والمؤرخ عن الحروب الصليبية برؤية عربية ووجهات نظر مختلفة وشاملة للرؤية الغربية المعاصرة لتلك الحقب من الزمن، ويمتاز الكتاب بأنه منسق ومنظم بطريقة علمية حديثة.
ان اهمية هذا الكتاب تنبع من ان بلادنا العربية تشهد اليوم فترات عصيبة متمثلة في الربيع العربي والتي لا تخلو من امتدادات الغزو الافرنجي الذي اجتاحها في غفلة من الزمن، وهو يتكرر بشكل مؤطر وجديد، ولهذا حرصت على اختيار ابرز ما في الكتاب، وهو ان «النكاح حقيقة افرنجية تاريخية».
وقد جاء في الكتاب صفحات (217 و218 و219) عنوان هو: «نساء لذة ونساء حرب بين الافرنج»، وهو بحق ما لفت نظري وانا اقرأ هذا التاريخ الاباحي، والذي لم يلتفت له على اساس انه «أدب العجائب والغرائب»، ولكنه في زمانه صوِّر على انه يمثل العقيدة المسيحية، ولا اعتقد ذلك، لان ايضا المسيحية الحقيقية جاءت لتحرم الحرام والزنى والخطيئة، وقد شطبت عبارات من النص تتعارض مع الحياء العام عند القراء، وما لا يجوز ذكره من تطاول في الكلمات، وغير ذلك من الحرج، يقول:
وصلت في مركب ثلاثمائة امــرأة فرنجية مستحسنة، متحلية بشبابها وحسنها متزينة. وقد اجتمعن من الجزائر، وانتدبن الجرائر، واغتربن لاسعاف الغرباء، وتأهبن لاسعاد الاشقياء، متنقشة متخضبة، فائقة رائقة، خارقة، مارقة رامقة، قاسرة سارقة، فارجة فاجرة، فاتنة فاترة، ملهاة متلهية، متفننة متفتية، متشوقة متسوقة، مقترحة محترقة، متحببة متعشقة، حمراء مرحاء، نجلاء كحلــــاء، عجـــزاء هيفـــــاء، غناء لفاء، زرقاء ورقاء، متخرقة خرقاء، تسحب غفارتها، وتسحر بنضارتها، وتتثنى كأنها حصن، وتزيف وعلى لبتها صليب، وهي بائعة شكرها بشكرها، باغية كسرها في سكرها، فوصلن وقد سبلن انفسهن، وقدمن للتبذل اصونهن وانفسهن، وانهن لا يمتنعن من العزبان، ورأين انهن لا يتقربن بأفضل من هذا القربان، وتفردن بما ضربنه من الخيم والقباب، وانضمت اليهن اترابهن من الحسان الشواب، وفتحن ابواب الملاذ، وبحن بالاباحة، ورحن الى الراحة، وازحن علة السماحة، ونفقن سوق الفسوق(...)، ورمن فرشهن على بساط النشاط، وتحللن للحرام، وترفعن عن ستر المكنون وشفين غليل العشاق، وكثرن الضباب في الوجار، وأطلعن الاشرار على الأسرار، وطرقن الأقلام الى الأدوية، والسيول الى الأودية، والجداول الى الغدران، والمناصل الى الأجفان، والسبائك الى البواتق، والزنانير الى المناطق، والأحطاب الى التنانير، وذوي الأجرام الى المطامير، والصيارف الى الدنانير، والأعناق الى البطون، والأقذاء الى العيون، وتشاجرن على الاشجار، وتساقطن على الثمار، وزعمن ان هذه قربة ما فوقها قربة، لاسيما فيمن اجتمعت عنده غربة وعزبة، وسقين الخمر، وطلبن بعين الوزر الأجر وتسامع أهل عسكرنا بهذه القضية، وعجبوا كيف تعبدوا بترك النخوة والحمية، وأبّق من المماليك الأغبياء، والمدابير الجهلاء، جماعة جد بهم الهوى واتبعوا من غوى، فمنهم من رضي للذة بالذلة، ومنهم من ندم على الزلة فتحيل في النقلة، فإن يد من لا يرتد لا تمتد، وأمر الهارب اليهم لاتهامه يشتد، وباب الهوى عليه يستد، وما عند الفرنج على العزباء اذا امكنت منها الاعزب حرج.
ووصلت ايضا في البحر امرأة كبيرة القدر، وافرة الوفر، وهي في بلدها مالكة الأمر، وفي جملتها خمسمائة فارس بخيولهم واتباعهم وغلمانهم واشياعهم، وهي كافلة بكل ما يحتاجون اليه من المؤونة، زائدة بما تنفقه فيهم على المعونة، وهم يركبون بركباتها، ويحملون بحملاتها، ويشبون لوثباتها، وتثبت ثباتها لثباتها.
وفي الفرنج نساء فوارس، لهن دروع وقوانس، وكن في زي الرجال، ويبرزن في حومة القتال، ويعملن عمل ارباب الحجا وهن ربات الحجال.
وكل هذا يعتقدنه عبادة، ويخلن انهن يعقدن به سعادة، ويجعلنه لهن عادة، فسبحان الذي اضلهن، وعن نهج النهى ازلهن، وفي يوم الواقعة قلعت منهن نسوة، لهن بالفرسان أسوة، وفيهن مع لينهن قسوة، وليست لهن سوى السوابغ كسوة، فما عرفن حتى سلبن وعرين، ومنهن عدة استبين واشترين، واما العجائز فقد امتلأت بهن المراكز، وهن يشددن تارة ويرخين، ويحرضن وينخين، ويقلن ان الصليب لا يرضى الا بالإباء وانه لا بقاء له الا بالفناء، وان قبر معبودهم تحت استيلاء الأعداء، فانظر الى الاتفاق في الضلال بين الرجال منهم والنساء، فهن للغيرة عن الملة مللن الغيرة، وللنجاة من الحيرة ناجين الحيرة، ولعدم الجلد عن طلب الثأر تجلدن، ولما ضامهن من الأمر تبلهن وتبلدن.
أيها القارئ الكريم، تمعن في الألفاظ، انهم هم الذين دعوا لمثل هذا النكاح المحرم، وهذا ما تكشفه وثائقهم، فالنكاح حكاية افرنجية وحقيقة تاريخية.. دعوة لقراءة الواقع صح.
المسلم يجاهد في سبيل الله لا في سبيل شهوة
ليس هناك في ديننا الإسلامي أي شيء حول ما يسمى بـ «جهاد النكاح» أو شيء من هذا القبيل لأن الإنسان يجاهد في سبيل الله لا في سبيل شهوة أو مغنم وما روج حول هذا الموضوع انما هو نسج من خيال.
للأسف هناك من ادعى ان المرأة تستطيع ان تجاهد كما يجاهد الرجل ولكن بشكل مختلف أي بمعنى أصح انها تستطيع ان تشبع هذه الرغبة بعد معاشرتها كل هؤلاء الرجال في ساحات المعارك بصبغة إسلامية «وهذا بهتان كبير» ودون عقد زواج ملزم، ويمكن ان يستمر هذا النكاح ساعة أو أكثر وأي رجل دين «يبيح هذا» ويدعي فهمه الشريعة الإسلامية هو لا ينتمي لملة الإسلام ولا يعرف حقيقة الدين الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفاك أشر وحسبنا الله ونعم الوكيل فيه.
المسلمون عبر التاريخ يحاربون بالأسلحة رجالا دون النساء إلا في معارك قليلة مأمونة النتائج ويواظبون على التعبد لأن مبتغاهم الجهاد والجنة.
المرأة في ميدان المعركة
المرأة المسلمة في التاريخ الإسلامي كانت تخرج في العهد النبوي وما تبعه من عهود، وقد نص الفقهاء على انه يجوز للنساء ان يخرجن مع الجيش الكبير القوي بالعدة والعتاد والذي لا يخشى من ان يقهره العدو ويسبي من معه من النساء، بمعنى انه يجوز ان يخرجن مع الرجال في الغزو إذا كان العسكر كثيرا تؤمن عليهم الغلبة ولا يسبين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصطحب معه نساءه كما في غزوة بني المصطلق حيث كانت معه عائشة رضي الله عنها وهي الغزوة التي وقعت فيها حادثة الإفك. ولم نقرأ في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء مثلما يروجون اليوم عبر فتاوى ساقطة عن «نكاح الجهاد» لأنه من الفاحشة والفواحش. إن القنوات التي تذيع هذه الأكاذيب مدعوة الى ان توقف هذا التشويش والتضليل لأن ديننا الإسلامي وشريعتنا الغراء أكرم وأطهر من هذا الذي يريدون به النيل من خصومهم عبر فبركات إعلامية غاشمة ضالة مضلة تروج خيالات غير حقيقية لها تعريف واحد انها من صنع تنظيمات ليست لها علاقة بالإسلام وتستهدف الشريعة الإسلامية الغراء المحصنة.
مفتي تونس: التغرير بالفتيات تحت مسمى الجهاد بغاء وفساد أخلاقي
وصف مفتي تونس الشيخ عثمان بطيخ، إرسال فتيات تونسيات الى سورية للمشاركة فيما يسمى بـ «جهاد النكاح» بأنه تغرير وفساد أخلاقي، في إشارة الى الأخبار التي تواردت بأن فتيات مسلمات من أكثر من مكان ومنهن التونسيات يلتحقن بالمجاهدين.
وكانت وكالة الأنباء التونسية قد أشارت إلى تصريح لمفتي الديار التونسية الشيخ عثمان بطيخ قال فيه: هناك 16 فتاة تونسية تم التغرير بهن وإرسالهن الى سورية للجهاد ضمن ما يسمى بجهاد النكاح، وهذا فساد أخلاقي، وان المرأة التونسية عفيفة تحافظ على شرفها وتجاهد النفس من أجل المعرفة والعلم، ودعا الشيخ بطيخ الشعب التونسي الى عدم الذهاب الى سورية لأن هناك من يستغل الظروف الصعبة التي يمر بها شباب تونس.
مفتي مصر الأسبق: جهاد النكاح فاحشة ويطبق عليه الحد
قال د.نصر فريد واصل، مفتي الديار المصرية الأسبق، إنه لا يدري حقيقة الأمر في جهاد النكاح وان له تفسيرين، فإذا كان المقصود منه إباحة جهاد النكاح مع أي امرأة فهو فاحشة وطبقا للشرع فهو باطل ويقام عليه الحد طبقا للقاعدة الشرعية حد الرجم، لأنه غير مشروع ويعد إفسادا في الأرض. وقد دار حوار كبير بين الدعاة المصريين الأزهريين وغيرهم حول قضية جهاد النكاح واعتبروه مدسوسا لتشويه الشريعة الإسلامية، والجهاد المبارك هو في سبيل الله من أجل الدين ونصرته وحماية المسلمين من الأعداء.