[email protected]
استوقفتني عبارة «القرار لك» لأنها مرت معي طوال عمري، فالوالد رحمه الله عندما استأذنته للالتحاق بمعهد المعلمين، قال لي «القرار لك»، وتذكر يا وليدي قرارك مستقبلك، أنا لن أفيدك، ويوم استأذنت والدتي بالزواج قالت: «الأمر لك».
ويوم استعرضت كثيرا من محطات حياتي وجدت ان العبارة «القرار لك» تصدرت كل المشاهد لأن الإنسان مطلوب منه ان يختار، وإن كان كثير منا يظل محتارا يقدم على القرار أم لا؟!
استراحتنا اليوم «القرار لك» وهي عبارة قصيرة جدا لكنها ذات معنى فظيع، ومادمت على قيد الحياة راح تتكرر معك في اول عمرك وأوسطه وآخره وإن كان (دفنك) ليس من قرارك وسيأتي من غيرك بعد ان يأذن ربك وترجع الأمانة إلى ربك إما راضية مرضية أو في حفرة من حفر النار والعياذ بالله.
إذن أعود وأسألك عزيزي القارئ الكريم: ماذا تعني هذه العبارة القصيرة معنى ومحتوى ومصيرا؟
جربت ان يكون القرار لك؟
أم أنك دائما يؤخذ القرار منك وتكون آخر من يعلم أو يبادر أو لا يهتم أصلا؟
يقال في اللغة «قر الأمر» اي ثبت عليه، وأحيانا نسمع فلانا لا يقر له قرار. هذا يعني انه دائم الحركة.
ويقولون ايضا «قر في المكان» اي ثبت وسكن واطمأن، وقرأنا في القرآن (وقرن في بيوتكن) وقر الرأي على كذا بمعنى صح العزم عليه وعقدت النية عليه لكن الحياة علمتنا ان «القرار» اختيار للسلوك من بين عدة بدائل، مع ملاحظة ان القرارات المهمة وليدة التقارير والدراسات والبحوث المدروسة، اما «صنع القرار» فهو الأخذ بين بديلين او أكثر وهو أحيانا يتعلق بالأحوال الشخصية او المهنية والوظيفية.
يقول الشاعر:
إذا كنت بين الحلم والجهل مائلا
وخيرت اني شئت فالحلم أفضل
ولكن إذا أنصفت من ليس منصفا
ولم يرض منك الحلم فالجهل أفضل
ومن المفردات اللطيفة في ذاكرتنا الإنسانية «قرار المحكمة»، هذا ملزم او قرار الحكومة وهو منفذ أو، «قرار الزوج» اما يستجاب لقراره او تلحقه تبعاته من الزوجة والعكس صحيح، كما تحضرني عبارة «صار الأمر قرارا» اي كان عائما وصار قرارا ملزما، وعندما تسمع «أهل القرار» فهذا يعني «الحضر» لأنهم مستقرون في منازلهم.
ويعجبني الإمام الشافعي رحمه الله الذي قال:
سأضرب في طول البلاد وعرضها
أنال مرادي أو أموت غريبا
فإن تلفت نفسي فلله درها
وان سلمــت كان الرجـــوع قريبـــا
إذن على بركة الله ستكون استراحتنا هذا الأسبوع «القرار لك».
وقد مهدت لها بداية في تفسير المعنى ومفرداته وجمله، بقي ان أوضح ان القرار أيضا هو «صوت النغمة الموسيقية المتكررة في آخر كل جزء من أجزاء اللحن الموسيقي».
عزيزي القارئ.. «القرار» قضية صعبة جدا في حياة الإنسان وتلازمه هذه الكلمة على مدار عمره قصر أو طال.
ولو تمعنا في معاني «القرار» لوجدنا العجب العجاب، تذكرون يوم عرضت عليكم استراحة «رقم 7»، والقرار ايضا له مفردات عجيبة خذ مثلا «القرارة» وهي الماء البارد ويصب في القدر الحار بعد الطبخ لئلا تحترق، وهي ايضا المكان المنخفض الذي يندفع اليه الماء ليستقر او الروضة المنخفضة او العمق مثلما نقول: في قرارة نفسه، بمعنى في أعماقها، وقرارة النفس دخيلتها، وقرار البحر عمقه وغوره ومستقره.
«القرار لك» إن كنت تملك الجرأة الكافية لقراءة هذه الاستراحة وأعود لاحقا لأسألك: ماذا إذا لم تكن لديك الجرأة الكافية لتجيب عن سؤالي؟ وتبقى الحقيقة ان هناك شخصا له قرار ويستنير بقرار غيره ممن يعتد برأيهم، وهناك شخص ثان له قرار ولا يحب ان يستفيد من اي قرار، وثالث لا رأي له ولا يستمع الى قرار أحد.
إذن لنتفق معا.. اقرأ ما كتبت وبعد الانتهاء من هذه الاستراحة أعود وأسألك فأنت الوحيد الذي يملك إجابة نعم القرار عندي ومني وبالفم المليان «لك القرار» على ان تتابعني في هذه الاستراحة النوعية.. وعلى بركة الله نبدأ:
القرار لك ولها
أنا في حياتي التزمت الحكمة الشهيرة «ما خاب من استشار ولا ندم من استخار» وأكبر مشكلة في الحياة ليست أن يكون لك القرار وإنما اذا تداخل القرار، وخذ اكبر مشكلة في العالم وهي الحياة الزوجية هي تريد كذا وكذا وكذا وأنت لا تريد كذا وكذا وكذا! مشكلة حقيقية.
هي لا تريد أمّه وهو متمسك بأمّه؟
من له القرار؟
هو يريد أن يضرب ويؤدب أولاده، وهي ترفض هذه العملية رغم انه أب وصالح ويخاف على أولاده وبناته ويعلم قضية علموهم لسبع واضربوهم لعشر وهكذا أكثر من قضية تطل علينا ما بين الأهل والأبناء؟!
هو لا يريدها أن تصادق فلانة، وهي لا تريده أن يجلس في الكافيه مع نوع معين من أصحابه.
هو لا يريدها أن تخرج «الكروت البنكية» حتى لا تسرف؟
وهي تريد ان تعلم اين يذهب كل فلس في جيبه؟
هو له اتصالاته وهي أيضا، وكلاهما يراقب الآخر ومن منهما على صح ويستخدم هذه الأجهزة بطريقة لا ريب فيها؟
هي تريد السفر حتى لو أخذ قرضا؟
وهو لا يريد السفر ويتمنى ان يقضي الاجازة في الديرة؟
أمثلة لا حصر لها في الحياة تحتاج الى وقفة.. فمن يملك القرار؟
واذا استخدم القرار.. فهل القرار صحيح؟ وما آثاره وتبعاته.. القرار قرار.
والأطرف في حياة المقيمين هي مع براميل الديناميت وهو مع داعش.. كيف؟ ومن يملك القرار؟!
أو هو مع الربيع العربي وهي مع الخريف العربي؟! أو كلاهما سلطة خراب بلدان للأسف؟
ما القرار؟
حتى اسهل على المتابعين في هذه الاستراحة أطرح سؤالا واحدا ومباشرا «ما هو القرار؟».
أنا اجيبك من الواقع التراكمي المعيش في هذه الحياة دون زيادة أو نقصان، فالقرار في معتقداتي وقناعاتي انه السبيل لتحريك قضية ما لتبلغ المهام والأهداف على نحو صحيح وتكون محققة لما ترغب.
أيها الأحباب قراء الاستراحة: هناك فرق كبير ما بين حل المشكلات واتخاذ القرارات، فرغم الارتباط الوثيق بينهما الا انهما ليسا مترافدين، فلا يعني اتخاذ القرار ان تكون هناك مشكلة والعكس صحيح، فكلما وجدت مشكلة وجدت ضرورة اتخاذ قرار وإلا تحولت هذه المشكلة دون حل الى كارثة ومحنة ومصيبة.
ما قراراتك؟
سؤال حلو صح؟ لأن الواحد فينا يجد نفسه في بعض الأوقات أمام اختيار صعب وعسير فكل موقف له قرار وهناك قرار خاص بك ولا يحسب القرار بطوله أو بقصره إنما بصلاحيته وقابليته للتطبيق سواء كنت زوجا أو مديرا أو على هامش الحياة.
أما متى تأخذ قرارك فهذا يعني ان يكون قرارا ملحّا لا روتينيا ولا يمنع ان تشاور من هم أكبر منك وأكثر خبرة.
منذ أيام اتصل بي صديق وقال والله سأضرب زوجتي بومهند «جننتني» فقلت إن ضربتها ضربتك انا بالسواك وضحك وعرف ما اقصد وهناك عقول متطرفة لا تعرف السواك، تعرف العقال أو النعال!
يقول الشاعر عمرو بن كلثوم:
الا لا يجلهــن احد علينــــا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
أساليب متبعة
قابلت شعوبا وقيادات وبشرا من كل دول العالم، وتأثرت بهم وتأثروا بي، خصوصا في اتخاذ القرار، فمنهم من هو حامي الطبع، عجول وسريع، ومنهم ما هو بارد «طبانه» (بالكويتي بطيء).
يعجبني في الحياة من يتخذ من الديموقراطية طريقين في قراراته يشاور ويتأنى قبل اتخاذ القرار، لأن بعض القرارات مدمرة، وهناك الديكتاتوري الفاشستي الذي يتخذ قراراته دون الرجوع لأحد، وانما يركب رأسه لأن «رأسه مثل الحيط»!
البشر انواع، هناك الطاووسي المتعالي الذي يسكن برجا عاجيا لا ينزل منه ولا يطيع ولا يقيم وزنا لاحد!
وهناك عكسه تماما من يشاور ويحتكم ويسأل ويشاور قبل اتخاذ قراره.
كلا الطرفين موجود في الحياة، ونقابل ناسهم، وهم بيننا، وتدخل هنا العاطفة والضغوط والخبرة.
هناك اناس في الحياة القرار يحكمهم دائما والعكس صحيح، وهناك بعض البشر «فالتو» اي لا يحكمهم شيء ابدا، غير انني في الحياة اشير لكثير من الناس ومن جنسيات مختلفة وادين بأنهم يحددون اهدافهم، وعلى هذه الاهداف تتخذ القرارات، ويعجبني من يكون تفكيره ليس موطئ قدمه، وانما ينظر دائما للبعيد مثل هذا الزوج الذي يتحمل نكدية الزوجة لأنه لا يريد ان يهدم بيته والعكس صحيح تصبر من اجل اولادها.
الحياة قرار
أكتب اليوم في موضوع وقضية فلسفية خلافية، فكل إنسان له الحق في ان يقول لك «القرار قراري»، وهنا يجب التأني في الرد لأنه في كثير من الاحيان صادق وله القرار، وخذ مثلا:
٭ انت امام طبيب، ويقول لك: وضعك الصحي كذا وكذا وليس امامك الا العملية، فماذا سيكون ردك وانت تخطيت الاربعين مثلا ومتزوج؟ تشاور من؟ والدك ووالدتك وزوجتك واولادك؟
انه قرارك فقط ولا أحد سواك.
٭ أي قضية في الحياة تحتاج الى قرار، ولكن نصيحتي قبل اتخاذك القرار عليك بالتأني ودراسة الخيارات المتاحة وجمع المعلومات والخطط البديلة والوسائل المتوافرة والخيارات الارجح لك والملائمة لحالتك وقضيتك ولها قبول في نفسك ولا تستهين بالمخاطر والاحتمالات.
لا يمنع ان تشاور وتسأل وتجمع حججك وبراهينك على سلامة قرارك ما بين مؤيد ومعارض، وان لزم التصويت، يا الله! كم القرار متعب عند العاقل وسريع عند الجاهل المتهور! ولا عيب يا اخي واختي ان عجَزْتما عن الحل ان تستعينا بمن لديهم خبرة وتطلبا المساعدة والنصيحة (الدين النصيحة)، احذر الخطأ.
يقول عنترة بن شداد العبسي:
وللحلم أوقات وللجهل مثلها
ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب
«قدها والا موقدها»؟
جيلي المخضرم في القرار «قدها وقدود» ولا عنده مشكلة ابدا، يحزم أمره ويتخذ قراره، كل الخوف من هذا الجيل القادم لنا في هذه الحياة، وأنا شخصيا عندما اشاهد كثيرا منهم في المولات والأسواق والمطاعم أقول: هؤلاء راح يفتحون بيوت كيف؟!
ما هذا؟ هذا الجيل والله يريد من يربيه ويعلمه السنع ويعلمه ما يصير وما لا يصير في لباسه أو في شعره أو في تصرفاته خاصة عندما يكون «رقيق وايد» ولا حول ولا قوة إلا بالله! والمشكلة الأكثر فظاعة هي إقدام كثير منهم على قرارات مصيرية دون مشاورة، ويا ليتها «تهون» لكنها تمس مصيره وحياته وتعليمه ووظيفته وشخصيته!
هذا لا يعني ابدا أن نتشاءم، فهناك الكثير من الاولاد والبنات من يجعلنا نحترمه ونقدره، ونقول ما شاء الله عقله أكبر من عمره لانه متوكل على الله، عارف امور نفسه، حازم في الموضوع الصحيح، طارد للوسواس الخناس، رافض «الصحبة الدونية»، مرافق «للجليس الصالح»، معلن انه مع القول «الصاحب ساحب».
القرار تدريب منذ الصغر، وعلى الآباء والأمهات الاهتمام بهذا الأمر الذي يحتاج منهم الى أن يورثوا خبرتهم ومشاهداتهم وتجاربهم لأبنائهم عن طريق الحوار اليومي واستقراء كل مشكلة ومناقشتها وتحليلها واستخراج نتائجها وتعليمهم اتخاذ قراراتهم المصيرية دون تردد أو تهور، وتعليمهم مواجهة الخوف إلى داخلهم، مطبقين «ادرس القرار ونفذه».
قال الشاعر:
لئن كنت محتاجا الى الحلم انني
الى الجهل في بعض الأحايين أحوج
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم
ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم
ومن شاء تعويجي فإنني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدنا ولا أخا
ولكنني أرضى به حين أُحوج
الا ربما ضاق الفضاء على الفتى
وامكن من بين الاسنة مخرج
فإن قال بعض الناس فيه سماجة
فقد صدقوا والذل بالحر أسمج
آخر الكلام
عزيزي القارئ هناك 7 خطوات أهديها إليك حتى تتمكن من عدم التردد في اتخاذ قرارك، وهي:
1- لا تتردد كثيرا في حياتك أمام «قرارك» واستعرض أي قرار اتخذته ونتائجه في المحصلة النهائية سلبا أو إيجابا وتخلص من الخوف.
2- كن دائما مع الله عز وجل قبل اتخاذ القرار، ومع الأيام راح تتكون عندك ثقة بنفسك تساعدك على اتخاذ القرار على أن تحدد هدفك.
3- تذكر أن التردد الدائم يجعلك مع مرور الوقت إنسانا عاجزا بكل ما تعنيه هذه الكلمة مما يعقيك، فلا تحقق أهدافك أو أحلامك، فالانجاز يحقق لك الانجاز تلو الإنجاز.
4- اعلم ان الحياة ربح وخسارة، وفاز باللذات من كان جسورا.
5- في كل الاحوال تحمل مسؤولية قرارك مهما كان.
6- فكر إيجابيا دائما تكسب وإذا فشلت فلا تحبط.
7- ثقتك بنفسك تساعدك في تجنب الإخفاق والتردد، وقل دائما «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» تنج.
أنا دائما أقرأ سورة الواقعة، وأستخير، أقدم على قراري وأتحمله دون تردد مهما كانت تكلفته، والآن اقولها لكل من قرأ هذه الاستراحة «لك القرار».. والسلام.
|
د.يوسف محمد العلي |
تهنئة
نقدم التهنئة لمعالي وزير التجارة والصناعة د.يوسف محمد العلي بعد ان نال الاختيار والقبول من لدن حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد، ونحن على ثقة انه في المكان المناسب ونتمنى له النجاح والتوفيق في مهمته لتحمل مسؤولياته.