[email protected]
بالامس ودعت الكويت في مقبرة الصليبخات العمة الغالية الحنون مريم محمد أحمد السيف وهي من مواليد 1938 ومن إماء الله الصالحات ذات خلق ودين وحنان وكانت رحمها الله تكنى بـ«أم خالد» وهو شيخنا واستاذنا المربي الفاضل خالد جمعة الخراز أبو الحارث حفظه الله ورعاه وادامه بخلقه ودينه وحلو معشره.
كانت خطبة الشيخ خالد الخراز الجمعة الماضية عن موعظة الموت وكأنه بهذه الخطبة يودع والدته العمة مريم السيف، طيب الله ثراها ومثواها، يقول الشيخ خالد الخراز نجلها الأكبر في مرثية والدته ابياتا شعرية مطلعها:
حل الممات ببيتنا فتكدرا
حكم الإله أن نموت ونقبرا
أمي الحبيبة ما يزال فؤادها
رغم السقام حانيا متصبرا
عاشت تحيط صغارها بحنانها
لا لا تمل كي نعيش ونكبرا
في كل يوم تبتديه مقالها
طيب الدعاء للسماء مصدرا
احفظ صغاري يا سميع وكن لهم
عونا على مر الزمان ميسرا
صنعت لنا رغم الحياة وضيقها
بيتا مليئا بالمحبة نيرا
ادعوك رب ان تنور قبرها
تجعله من روض الجنان مخضرا
هذا دعائي يا مجيب تضرعي
كلي رجاء ان تعين وتغفرا
تزوجت العمة مريم من العم جمعة عثمان الخراز وانجبت منه ولدين وست بنات وماتت ابنتها الكبرى منى رحمها الله في حياتها اثر مرض عضال.
تميزت سيرة العمة مريم السيف، رحمها الله، بالصبر والمكافحة والاحتساب وكانت خير أم لاولدها وبناتها ونال الاحفاد كثيرا من حنانها وربت الجميع على الاستقامة وحسن الخلق والذكر وعملت طوال حياتها على تعليمهم وتنشئتهم على الدين والخلق الرفيع وشجعتهم على الدراسة وكثيرا ما رافقتهم «ماشية الى مدارسهم» ذهابا وايابا، حرصا منها على تربيتهم ورعايتهم، والاجمل والاروع انها اجتهدت والتحقت بمدارس محو الامية وتفوقت حتى المرحلة المتوسطة وحفظت الاجزاء الاخيرة من القرآن الكريم.
كانت كويتية بكل ما تعنيه هذه المفردات من معان محبة للكويت وكانت كثيرة الثناء على اهلها وحكامها وتحمد الله على ما من به على أهل الكويت من نعمة الأمن والأمان والرخاء وتوصي أبناءها وجيرانها بالانتماء للكويت والذود عنها بالغالي والنفيس وكثيرا ما كانت تحكي لابنائها قصص الماضين وعبر الأيام والفائدة المستخلصة من هذه القصص، وفي أبيات تخص والدته يقول أبو الحارث:
العين تبكي ونبض القلب يتبعه
وقع المصيبة في صدري يصدعه
كل ابن ادم بعد الموت يحمله
قوم كثير ليمسي الترب مضجعه
لئن كتمت من الاحزان لي ألما
فالدمع يعلن ما قررت امنعه
امي الحبيبة ان البر يلزمني
حق الامومة فوق الرأس موضعه
لك الصدارة في قلب عنيت به
فكيف ينسى هذا القلب منبعه
لئن كبرت وفضل الله يغمرني
هذا دعاؤك للرحمن يسمعه
مهما اجتهدت ببعض البر افعله
فالأصل يبقى مهما تنمو افرعه
والآن ادعو لسان الحال يسبقني
خير الدعاء لدى الرحمن اودعه
وأثناء الاحتلال العراقي يذكرها اهلها وجيرانها بمواقف الوفاء والحرص عليهم وتفقدهم وكانت العمة مريم محبوبة من الجميع ولم يعهد عنها الضغينة وكانت تتحمل الاساءة ولا تردها وتوكل امرها الى الله وكانت طيبة المعشر باسمة الوجه لطيفة القول تجمع الحكمة وحسن التصرف في كل الامور.
أصيبت العمة مريم السيف بأمراض مختلفة فكانت صابرة دائمة الشكر على الابتلاء وكانت تقيم الصلوات من تراويح وقيام في مسجد عبدالله خلف الدحيان ثم مسجد السدحان في منطقة الفيحاء.
ورغم ان المرض أقعدها لمدة تزيد على 15 عاما رضيت بقضاء الله حتى انتقلت الى رحمة الله تعالى يوم الجمعة بعد صلاة العصر في 19 رمضان 1437هـ في المستشفى الأميري، وتتواصل أشعار الشيخ خالد الخراز بوالدته الحنون في سطور دامعات تخلع القلب من مكانه لعظم المعاني يقول فيها:
قدم الحزن إلينا واستقر
دونما إذن سوى رب القدر
قاده الموت مطيعا فترى
كل عين دمعها منها انهمر
أيها الحزن كفانا ألما
قد رضينا ما قضى رب البشر
لك يا أماه عندي عبرة
صاحبتني منذ أيام الصغر
هذب الإيمان منها طرفا
فغدت دمعا غزيرا مغتفر
ما عرفت الحزن قبلا إنما
خطرات لا تساوي ما حضر
واجتهادي في دعائي رجعه
في حنايا الصدر أنات كُثر
ارحم اللهم أمي إنني
سأكون البر فعلا والأبر
واجعل اللهم قبرا ضمها
من رياض الخلد واجز من شكر
ومضة: غصت مقبرة الصليبخات بعشرات المئات من أهل الديرة الذين توافدوا بالأمس على المقبرة وقد أم المصلين ابنها الشيخ الأستاذ خالد جمعة الخراز وكان أطال الله في عمره آخر من خرج من قبرها مودعا لها.
آخر الكلام: رحم الله أمنا العمة مريم السيف وجعل الله قبرها روضة من رياض الجنة ومنزلتها في الفردوس الأعلى من الجنة وألهم أهلها وذويها آل الخراز والسيف الصبر والسلوان والعزاء موصول إلى الأسرة الكريمة في مصابهم الجلل ورحم الله أموات المسلمين جميعا.