[email protected]
يا رب حجة وعمرة هذا العام..
يا الله، يا كريم، اكتبني مع الآيبين..
أي شعور هذا الذي سينتاب اكثر من مليار مسلم وقلوبهم معلقة بالمشاعر والشعائر؟
سمعتم بالوفادة على الله عز وجل.
يا رب أعني على أن أكون وافدا من ضيوف الرحمن على بيتك.
يا رب أريدها عمرة وحجة ووفادة مباركة في مشهد هو من خلق الله..
القلوب متجهة لك وحدك يا الله أجب دعاء كل من دعاك..
والألسن تفصح لك عما عاهدت قلوبهم عليه سبحانه..
يا رب أفصح لساني الوافد عن خبيئة جميلة، ألست القائل على لسان نبيك محمد صلى الله عليه وسلم «من استطاع منكم ان يكون له خبأ من عمل صالح فليفعل».
جموع من كل فج عميق تقصد بيتك العتيق المكرم، طالبة النجاة من النار والفوز بالجنة..
كل شيء يفنى.. الشباب والمال إلا من حصل على أجرك مع إخلاص المخلصين الذين ما نسوا قط ذكرك ودينهم، ربنا أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
يا الله كم من الخلائق تستعد لليوم الموعود في عرفة ومنى والجمرات ومزدلفة والنحر والثج والعج والعبادة والصيام وايفاد النذور وإهراق الدم من الهدي.
يا الله هذه اولوياتي زيارة بيتك والسلام على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ان زرت المدينة المنورة وسلمت عليه وصاحبيه رضي الله عنهما.
يا رب ارزقني العمرة والحجة واقلب نظام حياتي حتى اقيم عليه برنامج ليلي ونهاري..
يا رب أدخلني سباق الوافدين العابدين الموحدين..
يا رب أحب ان اكون من المتسابقين طوال الليل والنهار وعلى مدى حياتي وبكل جوارحي بالسعي لوجهك الكريم..
يا رب عاهدتك الاقتداء بسيد المرسلين الاولين والآخرين اخذا وعطاء لأنه قدوتنا وشفيعنا يوم الدين..
يا رب نويت ان اغلق باب كل سيئة جارية بكل اصرار وكل استغفار..
يا رب اغلقت باب الرياء والكبر والسيئات وفتحت باب رب العباد صابرا محتسبا لاجما الغضب ناسيا مضايقات الانام..
يا رب اني وهذه الجموع نرجو قبولنا، طالبين رضاك عنا، وفي قلوبنا صرخة واحدة، اقبلنا مع التائبين في وفادتك على جناح الذل من الرحمة، وان نشكر لك نعمتك العظيمة علينا يوم قبلتنا مع حجيج بيتك الكرام وهي منزلة لا تعادلها منزلة، فاللهم اجعلنا ممن يرون وجهك بكرة وعشية مع منازل المحسنين في مواكب الحج والحجيج من زوار ومعتمرين وهم يناجونك بلذة المتلذذ بالدعاء والعبادة في موسمك السنوي خامس أركان الإسلام.
غداً الموعد
ساعات في الانتظار ليعلن الأول من ذي الحجة ووقفة عرفات والعيد..
غدا.. نعم الموعد ليبدأ الحجيج الهتاف الإلهي الله أكبر.
غدا.. نعم إذا جاء فلن يعود إلا العام الذي بعده..
غدا.. طائرات تقلع من المطارات
وغدا.. بواخر تنطلق من مراسيها..
وغدا.. سيارات على مدار الساعة تنقل الحجيج..
كل هذه الجموع القادمة من كل فج عميق هدفها يوم واحد هو يوم الوقوف بعرفة لأنه يوم العتق من النيران، فيا الله ما أعظم يوم عرفة، ويا الله كم هو مشهد عظيم وكم هو لقاء ملاييني يفوز به العابد التائب.
التلبية
مواكب المعتمرين والحجاج والزوار يرفعون الصوت في تلبية واحدة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك..
ومع كل فجر تواصل قوافل الحجاج التوافد في أيام التوافد على الله سالكة الطرق وصولا الى كل المشاعر المقدسة في اجمل أيام الله في هذا اللقاء المنتظر.
ساحة الموعد
إنها عرفة ..ساحة الموعد لكل حاج راجلا أو راكبا .. فالأصل في هذا اليوم الوقوف بعرفة وتقديم الغايات على الوسائل، فالملتقى ارض عرفة موعد مضروب ومحدد، وكل الأعناق مشدودة له والقلوب واجفة خاشعة نحو هذا المكان في ساحة اللقاء المرتقب للأجساد والأنفاس القادمة من كل حدب وصوب ترجو رحمته ومغفرته ليعود كل مسلم كما ولدته أمه في أحسن يوم طلعت فيه الشمس، حيث وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم والكل هناك يدعو دعاء اثر دعاء، الكل رافعا يديه يناجي ربه لأن الله يهبط الى سماء الدنيا فيباهي بالناس الملائكة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة».
فمن فوق سماواته سبحانه الى المحتشدين له في هذه البقعة يغفر الله العزيز الرحمن الرحيم لكل حجاجه ومعتمريه قال احدهم:
لو لم ترد نيل ما نرجو ونطلبه
من فيض جودك ما علمتنا الطلبا
أعتقنا من النار
هذا الهتاف هو السائد بين الحجاج والمعتمرين، يارب اعتقنا من النار، انه فزع البشر من نار جهنم، وهو هتاف باللسان يخرج من الأعماق، هتاف البشر لربهم دون وسيط، طالبين العتق من النيران في هذا اليوم الموعود.
وهأنذا أقولها مرة وثانية وثالثة، رب اعتقني من النار هي السائدة لأن الله يعتق الخلائق في يوم عرفة كما ذكرنا، فالناس تطلق ألسنتها طالبة من الله عز وجل ان يعتقها من النار ومن جهنم، من المأثم والمغرم.
اليقظة والاغفاءة
من أجمل مناسك الحج النفرة من عرفة وصولا الى مزدلفة وجمع صلاتي المغرب والعشاء قصرا ويكون الجسد متعبا، فمن اجمل المنامات نومة مزدلفة الا بعض الأعين التي تظل في التلبية رافضة النوم، انها يقظة الإحسان واغفاء المحسنين، فأي نومة اهنأ من هذه النومة؟ قال الشافعي رحمه الله:
فصار قرين الهم طول نهاره
أخا السهد والنجوى إذ الليل اظلما
يقول حبيبي انت سؤلي وبغيتي
كفى بك للراجلين سؤلا ومغنما
ألست الذي غذيتني وهديتني
ولازلت منّانا علي ومنعما
ففي يقظتي شوق وفي غفوتي من
تلاحق خطوي نشوة وترنما
الله أكبر
لو بحثت في كل أسماء المعاني الكبرى والقواميس والنواميس فلن تجد مثل هذه اللفظة العظيمة (الله اكبر) هي اجمل المعاني، ففي كل يد ترفع لترمي الجمرة تقول الله أكبر، كل رمية وكل همسة وكل دعاء يسبقه الله أكبر، فلا أكبر من الله.
كلمة يرتج لها القلب وينخلع لعظمتها.. كلمة «الله أكبر» سهم رباني تبدأ به كل امرك انها بداية التكبير فكل شيء صغير أمام «الله اكبر» في ديننا الاسلامي وغيره من الديانات السماوية حتى صلاتنا فيها الله أكبر
وأضحيتنا فيها الله أكبر
هي قاتلة الشيطان..
وهي جامعة أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كل مقام
الله أكبر هي إعلان سبيل هذه الأمة وسبيل وحدتها
الله أكبر إحدى وعشرون تكبيرة في يوم
الله أكبر إحدى وعشرون رمية في كل يوم
الله أكبر باللسان أحرف وفي القلب معانيها.
قضاء التفث
التفث هو ما يفعله المحرم بالحج اذا حل كقص الشارب والأظفار ونتف الإبط وحلق العانة وقيل هو اذهاب الشعث والدرن والوسخ مطلقا.
الأصل في عودة المباحات بعدما كانت محظورات انها شارة الوصول الى شاطئ العبور لممارسة كل ما كنت تمارسه قبل إحرامك قال تعالى (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق) ـ الحج: 29.
الحج عنوان الربوبية
آية الله في الحج تتجدد كل عام، انه مشهد عظيم لأيام تنطوي ولكنها تترك اثرا لا يمحى من النفس التائبة فالذي يعيش المناسك تنقلا وتفرقا ويشهد كل المشاهد يعي ان هذا تنظيم إلهي تستجيب له الجموع البشرية كل عام، ففي الحج عنوان الربوبية والالوهية المشيئة النافذة (وما تشاؤون إلا ان يشاء الله رب العالمين) ـ التكوير: 29.
الله، ما أجمل يوم القدوم وأداء العمرة ثم الوقوف في عرفة والمبيت في المزدلفة ورمي الجمرات في أيام التشريق، انها هناك في أرض المشاعر عند بيت الله الحرام ومسجد الحنيف وأرض المناسك لتعظيم الله تعالى في هذا التوقيت السنوي الحولي عبر الزمان.
خطى المودع
يا رب انا مستسلم لأمرك بوداع بيتك، وكم هذا الوداع يؤلمني ويبكيني، فهل من رجعة لبيتك وحرمك.
ان الروح والقلب ينفطران من وداع الحج ومناسكه وشعائره فنحن في أحب البقاع الطاهرة إليك وإلينا ونحن نطوف هذا الوداع فهل من رجعة أم وداع أخير؟
انه وداع كل مسلم لبيت الله الحرام والحجر الأسود..
فما أقسى هذا الوداع، وما أعظم لذة ذاك اللقاء؟
ماذا تراني صانعا.. سوى الاستسلام لقدرك قلبي وروحي يتفطران من رؤية هذا البيت العتيق المبارك، ولكنها سنة الله في أرضه فمن لقاء إلا ويتبعه وداع ما يطمئن نفوسنا اننا نعود من حجنا كيوم ولدتنا أمهاتنا وكل منا حسب عمله يتبوأ منزلته.
فيا رب نشكرك على ختام وفادتك وانطلاقة الإحسان في عبادتك والعودة لممارسة الحياة من منزلة الاحسان، وحري بكل حاج ان يعود بما ينفع به نفسه وأهله محققا قوله تعالى (ليشهدوا منافع لهم).
اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.. نقولها صادقين لربنا الأعلى.
آخر الكلام
شكراً د.عبدالله العلي ـ بو محمد ـ على إهدائي كتاب شيخنا المفضال دائما توفيق بن خلف بن عبدالله الرفاعي الوفادة على الله، فلقد أمتعني بصحبته في آخر الاسبوع وربي يجعلنا من المتحابين في الله الفائزين بجنته وكل القراء الكرام.