وقْعُ خبر الموت دائما مؤلم وحزين وحسب مكانة الفقيد، فما بالكم عندما تكون مسافرا؟!
وما بالكم عندما يكون الميت أخاك الذي لم تلده امك؟! صديق صادق صدوق الوعد والعهد!
لم يكن د.هشام النصف طبيبا متخصصاً بالأنف والأذن والحنجرة، لا والله فقط، انما كان عالما وخبيرا ومُجيدا ومرهما ودواء، وبلسما للقلوب، أياً كانت هذه القلوب محتاجة، ولا يفرق ما بين إنسان وآخر لجنسيته أو عقيدته أو.. أو.. أو..
كان صديق عمري، تربينا بالقادسية قطعة 4، بيتهم مقابل منزلنا، كنا ثلاثياً (هشام ـ يوسف ـ الاخ الكريم عبدالله السنان)، كنا صغارا متحابين، وكبارا متواصلين، وان باعدت بيننا الدنيا لكثرة المسؤوليات والمهام.
ما ان سمعت خبر وفاة اخي وتاج راسي ووسام صدري د.هشام النصف حتى قلت: رحمك الله أبا عبدالرحمن، إلى جنات الخلد، ثم عادت بي ذكريات كثيرة لا حصر لها، منها بيوتنا بالقادسية، واهل القادسية الكرام والربع (عادل بوقريص ـ عبدالصمد اشكناني ـ احمد عايش ـ داود الحمود ـ فيصل وعلي العنزي ـ غانم المطر ـ يوسف القديري ـ عبدالعزيز القبندي ـ عبدالله السنان) ومعذرة إذا نسيت احدا، فالزهايمر قريب!
اتذكر يا ابا عبدالرحمن ذهابنا الى المياص للحبال (منطقتي النزهة + المنصورية) وكيف نجتاز شبك المطار لنصيد الطيور؟ وتلاحقنا الكلاب الضالة!
وكيف نجمع الكنار من الصبحية، وكيف نذهب للمخيم في أمغرة أو التفقع في بر السالمي!
اتذكر يا هشام كيف نشاغب سائقكم (كرامه) المهري! وكشختنا بسيارتكم المرسيدس الرصاصي!
وكيف ذهبنا الى نظارات حسن لنشتري نظارات «برسول» من شارع فهد السالم!
أتذكر يا دكتور كيف اردفك على «القاري» لنشتري الزبيدي من «ابو حسنو» بـ 320 فلسا للكيلو ونذهب الى مطعم «بوعباس» اللبناني في قطعة 9 ونشتري الصمون المشكل وبطل البارد (نصك وإلا عباس يقصك)!
أتذكر يا حبيبي فريق القدم و«نچرتنا» من الكاسب! مع عيال الفرجان وهم من خيرة عوائل القادسية ولا يهون الآخرين حتى قضى علينا فريق احمد الحوطي وربعه الجدد!
أتذكر ما من رحلة صحافية لي في منطقة ساخنة أغطيها حتى يسألني عن مرضى العيون وعددهم وحاله كحال الطبيب الحادب على دينه د.عبدالله العلي ـ بومحمد، فعلا «شبيهان في الخير والعمل التطوعي من أجل المعوزين».
آه يا هشام.. كنت جميلا ورائعاً وحنوناً وعطوفاً على جميع من عرفك، وحتما ستلاقي هذا كله عند ربك الاعلى ان شاء الله.
كان شديد التأثر بورع والده معتزا به غير ان 4 شخصيات عظيمة احاطت د.هشام النصف بحنانها ورعايتها، الاولى والدته، يا الله كم هذه المرأة عظيمة، «مريم الحديد»! ربت الايتام، وكانت هي الام والاب معا، رحمها الله رحمة واسعة، وانا لن انسى لها ابدا عندما تعرضت خالتي شريفة، رحمها االله، وبناتها لحالة اختناق نتيجة الفحم و«الدوة»، هي بنفسها اخذتهن للمستشفى ولم ترجع الا معهن ساهرة حتى الفجر معنا!
هذولة جيران قبل، وما زالت الدنيا بخير، لأن هناك مثلهم حتى تقوم الساعة.
والشخصية الثانية اخته عائشة «ام طلال» وزوجها راشد السنان، رحمه الله، هي الاخت وهي الام، انسانة عظيمة ايضا في حياته.
والشخصية الثالثة خال والدته العم سلطان السنان، بوراشد، من لا يحب هذا الانسان؟! فمازالت القادسية والروضة في اشتياق لطلته وإنسانيته وحبه لأهل الكويت ووطنه.
كان العم سلطان السنان «بوراشد» أباً لهشام واخوانه، الجميع يذكره واولاده وبناته بكل الخير، اسرة كريمة محبة للخير والناس، وتعلمنا منهم العمل التطوعي ونصرة الفقراء في كل البلدان الإسلامية (ومن شابه أباه فما ظلم) البركة في نجله عبدالله ـ بومحمد ـ واخواته الكريمات.
اما الشخصية (الرابعة والاولى) معا فهي اختي ام عبدالرحمن، هيام الزامل، الله يجزيها كل خير، نِعْم الزوجة، وربي يعينها على قادم الأيام لأنها الخيمة الحاضنة والعمود لهذه الأسرة العزيزة.
ويبقى شخص مهم في حياة د.هشام النصف.. سامي، اخوه الاصغر، كان له «أخ + ابن»، وهو «عضيد» بكل ما في هذه الكلمة من معان جميلة.
آخر واتساباته لي كلها عن الموت والحياة، الاول عن «جوكر الجنون والموت»، لأنس الطنطاوي ـ ادارة مكافحة المخدرات.
وآخر كان متأثرا بفعل لاعب للركبي النيوزيلندي المسلم سوني ويليامز الذي احتضن طفلا حاول حراسه منعه ليصحبه الى عائلته في المدرج ويفاجئ الجميع بإهدائه الميدالية الذهبية.
وآخر واتساب بعنوان «أصدق بيت في الرثاء»، وهو لحسان بن ثابت يرثي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم افهم ان هذا هو آخر العهد، وأنه وداع الاخ لاخيه، وهأنذا ارثيك يا هشام بدموع من المذارف حارقة، وهكذا هو أبو عبدالرحمن، رقيق القلب محب للإنسانية جمعاء يعمل في صمت عجيب وسيحصده عند مليك لا يضيع أجر من أحسن عملا.
والكلمة الاخيرة لأسرته الكريمة، آل النصف الكرام: يحق لكم ان تفخروا بهذا «الانسان الانسان»، المتواضع الذي اوقف وقته وجهده لصالح الناس و«شاري» آخرته، معطي النموذج الطيب للمواطن الكويتي غير الطاووس!
مرة زرته بعد حادث مروري وقلت له آن الأوان ان ترتاح قليلا لأنه ابلغني بأنه سيداوم في عمله، هكذا هو ابو عبدالرحمن، نوع نادر من البشر، ملتزم بعمله المهني ولم يسع في حياته لمنصب، وهو يملك ان يصدر له هذا القرار، وهنا سر عظمته وتواضعه.
ونتمنى على الدولة ان تطلق اسمه على احد مرافقنا الصحية، فهو يستحق هذا التكريم، فما فعله اثناء تأدية وظيفته الرسمية وايضا عمله التطوعي غير الربحي لا يُعد ولا يحصى، نأمل ان نرى هذا عاجلا غير آجل، فهو مستحق لهذا التكريم، وإن كان ما عند الله اكبر واحسن ان شاء الله.
وقلبي «ينخلع» من مكانه كلما تذكرت «عياله» أولادي: عبدالرحمن ـ فواز ـ عبدالعزيز ـ يوسف ـ حامد ـ فاطمة ـ مريم ـ فوز، الله يحفظهم من كل عين لامة، لكنني اتوازن وأحمد الله، فلهم الله اولا واختي ام عبدالرحمن وابني عبدالرحمن، واقول له: نحن فخورون بكم جميعا، ولكنك الآن شبل من اسد، وانت محل من غادر، وأثق بالله وبأنك ستقوم بواجبك حيال ما ترك بأمانة وكل حرص ومحبة، ومثلك يا عبدالرحمن لا يوصى ولا يزكى، والله معك في حمل المسؤولية وانت لها حبيبي «اعطيت القوس باريها».
الله يلهمكم الصبر والاحتساب في هذا المصاب الجلل.
الله يرحمك يا هشام، سيرة عطرة، ومحبة عند الناس، وذرية صالحة.
ربح بيعك وأزهرت ثمارك ورحلت قرير العين يا حبيبي.
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، ومثواه الفردوس الاعلى من الجنة، يا أهلنا في الكويت لا تنسوه من دعائكم في هذه الأيام المباركة فإنه والله كان من العباد الزهاد لهذه الحياة لم تفتنه الدنيا ولم يطمع في مركز، وكان على الدوام في طاعة، إنا لله وإنا إليه راجعون.