[email protected]
كنت في السابق أحرص على زيارة مجلس الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ الجليل محمد بن صالح العثيمين الوهيبي التميمي رحمهما الله، كلما كنت معتمرا أو حاجا، وأنا اليوم دائم الترحم على الأول لفتواه الخالدة في الاستعانة بالقوات الأجنبية في قضية احتلال العراق للكويت في عام 1990 وكيف واجهه تيار ديني مضاد حاول ان يضغط عليه وأصرّ على فتواه حتى ثبت بُعد نظره وعلمه، رحمه الله، وكانت فتواه صفعة لكل الأشرار الذين تمنوا زوال الكويت! فيا أهلنا في الكويت تكفون لا تنسوا بن باز وبن عثيمين من خالص الدعاء لهما، فلقد ناصرانا يوم عزّ الناصر!
أما الثاني فلقد كان يمثل لنا في حياته «الوسطية»، فلقد تميز الشيخ العثيمين بالقدرة على الاستنباط والتواضع الجم ورحابة الصدر، وكان ـ رحمه الله ـ متحدثا لبقا ناشرا للسنة ومحييها وله من المناقب ما يصعب حصرها، وكنت وغيري من ملايين المسلمين الذين يتابعون علمه وفهمه في استنباط الأحكام من القرآن الكريم، وكانت له طريقة عجيبة في العرض والإقناع والأسلوب، وكان، رحمه الله، ايضا حريصا كل الحرص على تأصيل المسائل من قواعد شرعية وأصولية ولا يخاف في الحق لومة لائم، شيخ «عنيزة» العَلمْ، وتعلم القرآن الكريم على يد جده من جهة أمه سليمان الدامغ رحمه الله، وتأثر بعبدالعزيز بن باز وكان له برنامج إذاعي شهير «نور على الدرب» في إذاعة المملكة العربية السعودية، متزوج من كريمة محمد إبراهيم منصور التركي، وله خمسة أبناء هم: عبدالله، عبدالرحمن، إبراهيم، عبدالعزيز وعبدالرحيم، و3 بنات هن: فاطمة، زينب وسمية.
برحيل الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين فقدنا علماء ذاك الزمن الجميل، وكما آلمنا فقد الشيخ عبدالعزيز بن باز، ايضا آلمنا نبأ وفاة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وكان الأخير لا يرد الصحف والمجلات والإعلام ويوجه الأمة إلى ما فيه الخير والصلاح وكان دائم النصيحة لهذه الأمة في معاشها ومعادها في دينها ودنياها.
ومضة: برحيل الشيخ محمد بن صالح العثيمين في 11 يناير 2001م فقدنا واحدا من مناصري الكتاب والسنة والجماعة، عالم جليل نأنس برأيه في المسائل وأمورنا الدينية، وميزته انه يخاطبنا حسب إدراكنا وبلغة العالم المتبصر الذي تطمئن له النفس.
برحيل العالم الجليل بن عثيمين نشعر بأن «ثلمة من ثلمات الإسلام ثلمت» إي والله! ولحق بمشايخه الذين تأثر بهم بن باز، محمد بن عبدالوهاب، ابن سعدي، وأثر في مشايخ من أهل الكويت منهم: الشيخ خالد جمعة الخراز، د.عثمان الخميس، سالم الطويل، د.فلاح إسماعيل، د.عبدالله الشريكه، الشيخ داود العسعوسي، الشيخ عبدالعزيز الهده - رحمه الله، الشيخ حاي الحاي، والشيخ أحمد الكوس.
آخر الكلام: والله انني صادق، كل لغات المعاجم والموسوعات لا تستطيع أن تحتوي الحزن الذي لفنا بفقده. يقول الشاعر:
الله يرحم عالم الزهد والدين
آمين قولوها معي سبع مرات
مساوي بشرع الله كفوف الموازين
شيخ نواياه الخفية سليمات
عندي على قولي شهود وبراهين
داحر جحافيل الفتن والدعايات
رافع شراع الشرع بالعسرة واللين
وموفي حقوق الفقه ما به مراوات
لو نذرف الدمع الحمر مدمع العين
والا تكسر في حشا الصدر عبرات
معذرة في فقدها ابن عثيمين
محمد ولد صالح عدو الضلالات
أعداد ما لبى لربي ملبين
الله يبيحه ملي سبع السموات
زبدة الحچي: لايزال أمام عيني منظر جنازته، رحمه الله، محمولا على الأكتاف ويتقدم المصلين أصحاب السمو الأمراء وأصحاب الفضيلة العلماء وحشود «آلافية» من طلبة العلم وطلاب الشيخ ومحبي أجر الصلاة على عالم فاضل جليل رافع لواء الكتاب والسنة بعلمه وإخلاصه وصدقه مع الله تعالى وزهده بالدنيا، نحسبه ولا نزكي على الله أحدا.
فاز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في عام 1414 هـ - 1993م.
قال شيخنا الألباني - رحمه الله: «أنا الحقيقة معجب بسمت الشيخ ولطفه وأدبه وخروجه عن التقليد الذي ران على جماهير العلماء في كل البلاد ما استطاع إلى ذلك سبيلا..».
وعندما تقرأ تاريخه تقف طويلا أمام رأيه في مسألة التكفير، خاصة تكفير الحكام وكيف بيّن خطورة الدخول الى هذا الباب بغير علم وبصيرة!
وأشد ما لفت نظري في شخصه عدم محبته للمديح والثناء من الناس وكان يوقف الشخص الذي يمدحه أمام الناس وكان رأيه دائما لا تجعلوا الحق مربوطا بالرجال، الرجال أولا يضلون!
وكان عضوا في هيئة كبار العلماء منذ 1407هـ وحتى وفاته، وكان يحب الجلوس مع قضاة القصيم وخطباء مدينة عنيزة.
فيا أهلنا في الكويت ويا مسلمي العالم ادعوا لهذا العالم الذي أضاء علمه مشارق الأرض ومغاربها ونفتقده في هذه الفترة الحرجة من عمر أمتنا.. نعم انه «نجم لم يأفل»، ولاتزال آثاره باقية تطابق واقعنا المعيش، وكأن الشيخ ـ رحمه الله ـ يعيش بيننا.
رحمك الله شيخنا العالم.