[email protected]
قابلت أستاذي الصحافي الأديب الشاعر محمد يوسف، رحمه الله، عام 1982 في مجلة مرآة الأمة عند أستاذنا الكبير الراحل علي بن يوسف الرومي، رحمه الله، وكان يومها استاذنا محمد يوسف يشق طريقه إلى البروز الإعلامي وسط تصفيق تلامذته وتشجيع أساتذته، وكنت دائما اقف في محرابه طالبا علمه متأدبا.
أستاذي محمد يوسف، الذي توفاه الله عام 2003، إذا ما خانتني الذاكرة، كانت دائما بيده كراسة يكتب فيها عزفه شعرا ونثرا، وله في الحقيقة مجموعة من الكتابات الشعرية والنثرية المتباينة وكلماته دائما ما تجمع بين جمرة الشعر المحتدمة والمقالة النثرية والخواطر الوجدانية، وكان دائما يمثل جموع المحبطين وله نظرات عجيبة في احوال الناس كأنه والله كالبانوراما التي تشخص الواقع وتعرض لك سيرك الحياة.
اقرأوا وتأملوا سطوره:
أما الحزن فهو شمس الغابة
ويخطو الى السيرك
والسيرك اقنعة وجنون وغابة
صاحبي: بيننا الحزن مشترك
ملجأ من جناح الكآبة
صاحبي: أيهذا النشيد الوريد
هو الحزن..
شمس الكتابة!
هكذا كانت كلماته ضوءا يثقب ظلمة كل شيء. يقول محمد يوسف في قصيدته «الفيشاوي»:
المقهى إيقاع اخضر
يدخل من ايقاع اخضر
حتى يبلغ الأوجاع
الشاي له ذاكرة النعناع
النعناع له ذاكرة الناي
في طرف المقهى رجل اسباني
غرناطة قصر الحمراء
وأبوعبدالله على طرف المقهى الآخر
وأنا صعلوك أتجول في ذاكرة النعناع
وأسعى بين الوقتين
التجسدي يرسم الحزن
التجريدي بسمت الرؤيا
الرجل الإسباني يحدق في ذاكرة النعناع
إنني اليوم أتذكر أستاذا وأترحم عليه وأتمنى من المجلس الوطني للثقافة والعلوم والآداب أن يجمع إنتاج الأستاذ محمد علي يوسف، رحمه الله، الذي عمل في الكويت فترة طويلة في مجلد يقدمه لطلابه والباحثين والمتذوقين.
ومضة: محمد يوسف.. هو بالضبط فلاح مصري زرع في الكويت قمحا وقطنا، وآن الأوان اليوم أن تقوم جهة ما بتبني إرث هذا الأستاذ الشاعر والمفكر والأديب ليحصد وفاءه عملا موثقا يضم كل ما كتبه من «إبداع موهوب».
آخر الكلام: محمد يوسف غادر مصر وعمل طوال سنوات شبابه في الكويت التي أحبها، حاله حال جميع الموهوبين الذين غامروا بأعمارهم وشبابهم من اجل تحقيق حلمهم في المستقبل، أكثر من 26 عاما عاشها محمد يوسف في الكويت عمل خلالها في مجلة مرآة الأمة وفي مؤسسة الكويت للتقدم العلمي مدير تحرير لمجلتها.
صوته لايزال في أذني: ابومهند.. متى تزور محبك؟
يا الله.. يا محمد يوسف.. مرت السنوات ومازلت محتفظا بأول كتاب الحفر بالضوء على أشجار حديقة شجر الدر.. الذي أهديتني إياه في 21/8/1988.
زبدة الحچي: لقد نشر معظم إبداعه الشعري في مصر وأقله في الكويت وترجم البعض من أشعاره إلى الانجليزية والفرنسية والإسبانية وشارك في الكثير من المؤتمرات الأدبية والثقافية.
قال لي إن أحب ما كتبه هو ديوان «داليا» الذي امتد من 1975- 1984، وأقربه الى قلبه.
يقول في قصيدة «انتظار داليا»:
دثريني بشمس حنانك
إني اكابد في غربتي رجفة تخلع القلب
آه..
فإن الزمان البخيل يحاصرني بالصقيع
هو الوطن المطمئن بعينيك
والنبع في شفتيك
فردّي إليّ الوطن
إنه خبز أمي
وشاي الصباح
وصوت التلاميذ عند الظهيرة
والباعة الجائلون ينادون:
يا برتقال الجنائن
مدي إلي يديك خذيني
انفضي عن ضلوعي غبار الشجن!
رحم الله الأستاذ محمد يوسف، ابن المنصورة، «الكويتي» في لباس مصري. ويبقى إرثه الثقافي الذي تتعانق فيه الألوان والظلال والصور والإيقاعات والكلمات والحروف، وإنني أكتب هذا لأنني فقدت إنسانا جميلا مبدعا، وآمل ان نحقق له حلمه بجمع تراثه اللافت والمؤثر.. أتمنى!