[email protected]
نسمع ما بين فترة وأخرى عن حالات يقوم فيها الأبناء بالحجر على الآباء (أمّ وأب) وغالبا ما يرتبط ذلك بقضايا مالية وهي في أعرافنا الكويتية مرفوضة ومستهجنة، ليس على صعيد الكويت فحسب، بل في كثير من المجتمعات العربية والإسلامية.
نعم.. نتفق، أحيانا تكون هناك حالات يتحتم فرض الحجر عليها، لكن يبقى السؤال: ما الضوابط الشرعية التي تحكم هذا الحجر؟ وما أنواع الحجر؟ وما الفرق بينه وبين الولاية؟
دعونا نعرّف الحجر، وهو ما يتعارف عليه اليوم بمنع إنسان أي إنسان من التصرف في ماله أو في بعض شؤونه الشخصية، طبعا هناك رجال أو نساء يصلون إلى مرحلة الهرم أو الكبر والشيخوخة، فيبدأ في الصرف وينفقه في غير منفعة أو مصلحة، خاصة عندما (يتصابى الرجل ويبدأ الإنفاق على ملذاته) وهذا من السفه فيحجر عليه لسفهه!
وفي الفقه الإسلامي هناك باب اسمه (باب الحجر) والحجر هنا أنواع، اما لسفه أو لصغر أو لكبر في السن أولجنون، وكل هذه الأنواع يكون فيها الحجر لمصلحة المحجور عليه اذا ثبت انه بعينه لا يحسن التصرف في أمواله، وتقدم عياله الى ولي الأمر ـ القاضي ـ وحجروا عليه في تصرفاته وأحيانا يكون الحجر (لمصلحة الغير) كمن يأخذ الأموال ويستدينها ثم يعجز عن سدادها فإن الحكم بإعساره وإشهار إفلاسه ينبغي ان يصحبه حكم بالحجر على كل أملاكه لمصلحة الغرماء.
أعود للحجر على الآباء، فشريعتنا الغراء جعلت للآباء منزلة عالية ومكانة سامية لذلك يقول الله عز وجل في محكم آياته وتنزيله: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)، أما ان يقوم بعض السفهاء بالحجر على آبائهم دون وجود ما ذكرت من قرائن فهو والله عقوق واستعجال في تحصيل الميراث الذي لم يحن أوانه وهو (حجر) لا يعتد به شرعا ولا يلتفت اليه اذا كان (الأب أو الأم) يحسنان التصرف في مالهما، وقد شاهدنا في الحياة من (عق) والديه ماذا كانت نتيجته «ان الجزاء من جنس العمل» وفي الآخرة أشد.
ومضة: الأصل في علاقة الأبناء بالآباء ان تقوم على البر بهم والإحسان إليهم والقيام بقضاء حوائجهم وكل أوجه الرعاية لهم، وقد أولى الإسلام هذا الأمر أهمية ولنقف على رد النبي صلى الله عليه وسلم على شكوى الأب لابنه حين قال: أنت ومالك لأبيك.
بل ان الإسلام حث على برهم والإحسان اليهم حتى وان كانوا كفارا، بل جعل عقوقهم من الموبقات السبع وأيضا الحديث الشريف .. رغم أنفه رغم أنفه من أدرك والديه أو احدهما ولم يدخلاه الجنة، وهذا للابن البار والابنة البارة.
آخر الكلام: الحمد لله ان هذا لا يشكل ظاهرة اجتماعية وإنما حالات وتقع في رأيي لأسباب مادية بحتة واستعجال في الإرث دون وجود أدلة وبراهين لتنطبق شروط الحجر، وهو في رأيي المتواضع سببه ضعف الوازع الديني خاصة ان ظروف العصر الراهن أصبحت تشجع أمثال هؤلاء الأبناء العاقين على الحجر على آبائهم لتحقيق مكاسب مادية عاجلة دون الانتظار.
زبدة الحچي: ليت كتّاب التمثيليات والمسلسلات يؤكدون على الجوانب القيمية في هذا الموضوع الحساس بدلا من تأصيله، لأن الجانب الإعلامي في هذا الجانب جد خطير ومؤثر، وهو مادة اعلامية فاعلة ولها تأثيرها في الجماهير وحتى لا تعطي (الشرعية) للأبناء المتطاولين على الآباء بتطبيق (الحجر) والاحتيال في دعاوى لتطبيق الحجر.
انها قضية حساسة أراها تقوم على محاسبة الذات ويا ويل كل الأبناء الذين يستعجلون الحجر وهدفهم الأموال بحجة انها (مال مكتسب لهم في النهاية) ولكنهم يقتلون الأب والأم في حياتهما بهذا التفريط وقساوة القلب بالحجر على ولي نعمتهم وبركتهم (الأم والأب).
يبقى السؤال: الحجر على الآباء عقوق أم حفظ حقوق؟
هذا ما ينبغي ان يلتفت إليه الأبناء حتى لا يصابوا بلعنة العقوق من والديهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
موضوع غاية في الأهمية ويعور القلب وأتمنى ان يحيي الضمير!