[email protected]
يعج عالمنا المعاصر بمغالطات شنيعة عن مسمى «الوهابية»! ويتحمل كثير من الناس هنا وهناك شبه تناول هذا الشيخ الجليل بما ليس فيه ولا بفكره ولا بدعوته.
الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي من المشارفة أحد فروع الوهبة من قبيلة تميم، ولد - رحمه الله - في بلدة العينية شمال غربي الرياض سنة 1115هـ - 1703م، ذكي، فطن، فصيح اللسان، سريع الحفظ، حفظ القرآن ولم يبلغ بعد العاشرة، جده سليمان بن علي - عالم نجدي انتهت اليه الفتيا في نجد، وألّف منسكا مشهورا.
والده عبدالوهاب بن سليمان من علماء وقضاة العينية ثم حريملاء، وعمه إبراهيم بن سليمان كان أحد علماء عصره.
تلقى الشيخ محمد بن عبدالوهاب على يد والده كتب الفقه الحنبلي وأصول الحديث، وكان الشيخ محمد بن عبدالوهاب يقرأ كل ما يقع في يده من كتب الدين امثال ابن تيمية وابن القيم وتأثر كثيرا بأفكارهما واستنار بآرائهما فكان لذلك كله أثره في فكر الشيخ فيما بعد.
من قراءتي لفكر ونشأة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أجد 5 عوامل ساعدت في بناء شخصيته، وهي:
1- استعداده الشخصي، وذكرت صفاته.
2- اساتذته، وذكرت بعضهم.
3- أسرته، المتدينة حيث كان جده وأبوه وعمه من علماء العينية حينذاك.
4- ظروف مجتمعه وما كان يعيش فيه ذلك المجتمع من انحراف عن مبادئ الإسلام الصحيح القائم على الكتاب والسنة مما دفع بالشيخ إلى التعمق في دراسة العلوم الإسلامية ليعرف حقيقة الأمر ويقوم بالإصلاح.
5- رحلته العلمية وأثرها الواضح في اتجاهه الإصلاحي فبعد ان زار المدن المحيطة اتجه الى مكة ثم الى المدينة وأقام فيها حينا ثم تجول في نجد وبعدها توجه الى البصرة في العراق ثم قصد بلاد الشام (ضياع نقوده جعله يرجع إلى نجد) وفي طريق العودة نزل على الشيخ عبدالله بن محمد بن عبداللطيف الشافعي الاحسائي واخذ عنه التفسير والحديث ثم اتجه من الاحساء إلى حريملاء. اذن هذه الرحلة الطويلة في البلاد ولقاؤه بالمشايخ في عصره وتلقيه كل أنواع العلوم من عقيدة وفقه ونحو وصرف وبلاغة كوّنت له فكرا مطابقا لسلف الأمة فاطلع على الفساد الديني والسياسي فعاد الى بلده وكله عزيمة وأمل في أن يقوّم الفساد، وهنا بدأت مراحل الدعوة التي اوجبتها الظروف السياسية فأخذ يجهر بدعوته وينكر ما يفعله الجهال من البدع والشرك في الأقوال، وهذه الدعوة في حينها جعلت الدهماء والعبيد والمحرضين يواجهون الشيخ ودعوته، بل قرروا قتل الشيخ، ما جعله يعزم على العودة إلى العينية مسقط رأسه، وكان حاكم العينية في ذلك الوقت عثمان بن حمد بن معمر الذي فتح صدره للدعوة ووعد الشيخ بنصرته ونشر دعوته فمهد ذلك لانتقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة ثم الانتقال الى المرحلة العملية في تطبيق مبادئ الدعوة، وتمثلت في 3 أمور هي:
1- هدم القباب المقامة على القبور.
2- رجم الزانية التي انطبقت عليها شروط إقامة الحد.
3- قطع الأشجار التي يتبرك بها العامة مثل شجرة «الذيب» في العينية وشجرة «قريوه» في الدرعية.
بهر الناس بهذه الأعمال لأنها دعوة تعتني بنصرة الدين الحق والناس لم يعتادوها فانقسموا إلى قسمين:
٭ قسم آمن بذلك وأقرّ به.
٭ وقسم أنكره وحاربه.
بقي الشيخ محمد بن عبدالوهاب صامدا في مراحل دعوته يدعو لها بالحكمة والموعظة الحسنة ويرسل الرسائل العلمية والنصائح ويقيم المناظرات فقبل الكثير دعوته واتبع الحق وبقي معارضون ردوه واعلنوا تكفير الشيخ وأتباعه وإباحة دمائهم، فانتقلت الدعوة الى المواجهة والجهاد لحمل الناس على اتباع الحق وتهيئة الجو لنشر الدعوة والعودة بالمسلمين إلى منهج الله وشرعه واتباعه عقيدة ومنهج حياة.
ومضة: كل المسميات التي تخرج علينا في القنوات من السلفية الجهادية و.. و.. و.. كلها مسميات ليست لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لأنه واجه المعارضة التي رفعت السيف باللسان والقلم ونقّى الإسلام الخالص من كل شوائب الشرك والوثنية وهي نفس الدعوة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم خالصة لله وحده، ملغيا كل واسطة بين الله والناس.
آخر الكلام: لقد أنكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله - على مخالفيه أدران الشرك والبدع والخرافات واعتمد في دعوته المباركة على القرآن الكريم والسنة النبوية وآثار السلف الصالح.
لقد اختلفت آراء المؤرخين والباحثين في حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب فمنهم من قال حركة إصلاح ديني غايتها القضاء على الشرك والوثنية وآخرون يرون انها حركة سياسية اتخذت الإصلاح الديني وسيلة لتحقيق أهدافها والتي أهمها إنشاء دولة مستقلة في الجزيرة العربية منفصلة عن الخلافة العثمانية، وفريق ثالث يرى انها حركة دينية سياسية بدليل ما قامت به من إصلاح ديني وما أسسته من حكومة مستقلة عن الخلافة العثمانية.
زبدة الحچي: كل إنسان متوازن غير منحاز عندما يقرأ تفاصيل هذه الدعوة يجد انها حركة إصلاحية هدفها العودة بالمسلمين إلى ما كانوا عليه من وسطية الدين وتمسك بأهداب الاسلام وتعاليمه وتحكيمه في جميع الشؤون الدينية والسياسية، بمعنى أدق «دعوة جامعة للأمور الدينية والسياسية معا».
ونتج عن هذه الدعوة تعاظم مسمى التوحيد والربوبية والألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وزيادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأجمل في «الوهابية» انها واجهت قضية التكفير والقتال بوسائل وأسلوب الوعظ والتدريس والخطابة والمناظرات وتأليف الكتب وسلك الأسلوب (السلمي) مع مخالفيها مما جعل هذه الدعوة تنتشر في العالم الإسلامي لأنها تناسب الفطرة السليمة وتنقيها من الشركيات والبدع فانتشرت في الجزيرة العربية والقارة الهندية وآسيا وأفريقيا والمغرب العربي، وأحدثت ثورة علمية ثقافية عارمة بعد الجمود الفكري والتأخر العلمي اللذين مني بهما العالم الإسلامي في فترة طويلة من الزمن ووجهت نظر الأمة إلى ما خلّف السلف من آراء وسنن.
تتفق أو تختلف .. يبقى الشيخ محمد بن عبدالوهاب أحد أعلام الإسلام المجددين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» رواه أبوداود.
في يوم الاثنين آخر شهر ذي القعدة 1206هـ توفي الشيخ الجليل الإمام محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي ـ رحمه الله ـ ولينشط مخالفوه وأعداؤه في محاولات مستمرة لتشويه صورته وتاريخه وتحميله ما لم يقله أو يؤمن به.
محمد بن عبدالوهاب.. تاريخ حافل بالبطولة والمواجهة والصدق ورمز مناصر لسيرة السلف الصالح، رضي الله عنهم، رافع ومتمسك بالكتاب والسنة، ويبقى مجدد عصره.. بدعوته السلفية الحقة!
ويبقى الخلاف حوله.. أنصارا ومناوئين!
ومآله ومآلنا إلى الله جميعا.. والله خير الحاكمين.