[email protected]
العناد في الحياة ظاهرة إنسانية موجودة، والكل يعاني منها، فهناك العناد بين الزوجين، والعناد عند المراهقين، والأطفال.. والأكيد أن العناد من أكبر المشاكل التي تعترض حياة الأمة، فهناك العناد الرئاسي والبرلماني والنخبــوي والفئوي والجماهيري، وهو أســرع وصفــة لخــراب العلاقــات.
هناك عناد جميل في الحب ومنازله، ومع فئاته المختلفة، ولعل أجمله ما بين الرجل والمرأة، خصوصا متى ما تنازلت المرأة عن عنادها وتخلى الرجل عن كبريائه، وعليه عندما تذكر لك المرأة كرهها لهذا الرجل لدرجة الموت فربما كانت تحبه إلى درجة الموت، وهي نظرة «فلسفية شوية»، بمعنى عندما يتهم الرجل المرأة بأنها بلا قلب فمن المؤكد أنها خطفت قلبه!
الأكيد أن قلب المرأة إن أحب حوّل قلب الرجل من طين إلى ذهب!
إذن، العناد موجود حتى عند الأطفال، ونستطيع أن نعالج ونتعامل مع هذه الظاهرة لأنه من «عناد الغلا» ومثله الزوجة أو.. أو.. أو..
من خلال خبرتي في الحياة أحب أن أؤكد أن «العناد الطفولي» هو حالة من الامتناع والاحتجاج يبديها الطفل تجاه التعليمات والإرشادات الموجهة إليه مع التشبث والإصرار على الرفض دون إبداء أي مبرر أو مسوغ مقنع، وتتصف بامتناع الطفل عن الاستجابة بشكل مستمر للأوامر والتوجيهات التي يتلقاها ومقابلتها بالمقاومة والرفض والجدال المتواصل والثبات على موقف الرفض وعدم التنازل مثل تغيير الملابس المتسخة، وما يريد أن يستحم، ويرفض أكلا أو شرابا معينا.
المشكلة ليست في عناد الصغير والطفل، وإنما في «الكبير»!
الطفل الصغير «يروّض» ويدرّب لأن الطفل يحاول ان يوصل لنا رسالة «الاستقلالية»، وليس المطلوب هنا كرد فعل القسوة والقمع والغضب، إنما ممارسة الصبر، ومع الأيام يزول العناد العرضي، أما العناد «المتكرر» فهو المذموم، وهناك «عناد مرضي» نادر، ويعتبر من الحالات النفسية والعصبية، ويحتاج الى معالجين نفسيين واختصاصيين، وأرجو من كل أم الانتباه له لأنه حالة مرضية.
أحيانا تتعامل مع الكبير وكأنه «طفل كبير»، فالعناد مرجعه إلى القيود وإهمال الحاجات وعدم تلبية الطلبات والحاجات الرئيسية، ما يجعل «الصغير- والكبير» يشعر بالتوتر ثم تأتي ردة الفعل على شكل عناد للحصول على شيء معين، وفي الأطفال يفيد مبدأ تطبيق «الحرمان» كعقاب، لكن في «الكبيــر» يزيــد العناد!
ومضة: أردت في مقال اليوم أن أُذكّر القارئ الكريم بوجود «منقص» في حياتنا اسمه العناد، وهو مراتب، فالعناد «الإيجابي» هو نوع من المثابرة من اجل الوصول لهدف معين وعدم الاستسلام والتحدي، وهناك عناد «سلبي» يُصرّ صاحبه على التمادي في الإثم والغي، ومهما بُذلت معه من محاولات الإقناع أو الحوار يرفض الحلول والبدائل.
وهناك عناد «عقلي»، وهو التصلب في الرأي الذي يقاوم تصديق ما يطرح على صاحبه من معلومات وحقائق.
قال تعالى: {يأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} ـ فاطر: 5.
آخر الكلام: في ضوء تجربتي في الحياة، أرى أن «العناد الزوجي» هو أسرع وصفة لخراب البيوت ودمارها لأنه «ركبة راس» بعيدا عن التفاهم والتسامــح والتجـــاوز عن الهفــوات.
يقول الشاعر:
صد وتغلى واحرق اعصاب مغليك
وش قيمة الغالي اذا ما تغلا
ابعد وطنشني واذا قلت وش فيك
قول الهوى لعبة وحنا انتسلا
ولك العهد لو تحرق اعصاب مغليك
يزود ما ينقص غلا من تغلا
المصيبة في العناد والغلا كيف تتعامل مع «المقابل المغرور»؟ وأحاول في هذه المساحة أن أوضح المكان الأمثل لفهم نفسك والآخرين، وأرى أفضل وسيلة للتعامل مع «المغرور المتكبر» أن تفهم أسبابه الحقيقية التي تجعله يمارس هذا الغــرور لعلــه «نقــص» يخفيــه!
أنا أرى أنه «وسيلة دفاعية» بحتة، وأكيد هناك «مداخل» كثيرة أعتبرها نقاط ضعف عند هذا المغرور النرجسي.
بعضهم يقول عامل الصد بالصد والكبر بالكبر، لكن الحياة علمتنا أن المغرور يبقى إنسانا وهو بحاجة إلى «الرحمة والنصيحة والمودة» بعيدا عن الزهو والكبر والتعالي.
يقول الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: احذروا نشوة الانتصار والغرور، فإنها تهدم في ساعة ما بني في أعوام.
زبدة الحچي: حبائل الشيطان في الحياة كثيرة، وعلينا جميعا أن ننبذ «العناد» ونتسم بمكــارم الأخــلاق ومعاليهــا. وبعض العناد يوصل للكفر! والعياذ بالله!
الدنيا بانوراما كبيرة وعجيبة، فيها كل أنواع الحب والعناد والغلا، فاختر لنفسك منها «موضعا» تعرف به، فلا تكن عودا ضعيفا فتكسر ولا «صمية» حجارة صلبة لا تكسر!
كن بين هذا وهذا، مارس العناد، لكن «بغلا وتغلي لا بجبروت وتعلي».. واملك قلوب الخلق، فالعناد والغلا من الحب!
والإلهام والحكمة والعقل من النعمة.
وأقبح العناد والغرور.. مثل حديث النعمة! وما أكثرهم في الحياة!!
خلــك معي مـارس العنـاد الوسطي ولا ضرر ولا ضرار.. تسلم.