[email protected]
لم ترَ النور منذ ولدت، ولكنها ملكت البصيرة، وتفوقت على المبصرين..
حيوا معي ابنتنا العمانية شيخة بنت محمود الجساسية، والتي اثبتت للعالم أجمع ان فقد البصر لا يعني الاستسلام، لكنها فتاة من سلطنة عمان، لفتت أنظار العالم لمواهبها وطاقتها الشبابية المذهلة والمبدعة، فهي موهوبة في كتابة الخط العربي، وحصلت على المركز الثاني في مسابقة حفظ القرآن الكريم، وطموحها ان تتاجر في اللوحات التي تكتبها بالخط العربي، وهي اليوم موظفة حكومية بعد ان تخرجت لتعين في الإعلام «قولوا ما شاء الله»، اعجبتني قصة ابنتنا العمانية «شيوخ» وأنا ادلعها كما ادلع حفيدتي شيخة باسم شيوخ كحال أهلنا في الكويت ولعلي في عرض قصتها أقول واؤكد ان الإعاقة هي إعاقة العقول والقلوب، اما «شيخة الجساسية» فلقد تحدت كل العوائق وتفوقت دراسيا في كل مراحل الدراسة وتخرجت في جامعة قابوس متخصصة في «الترجمة» وهي الآن تعمل كاخصائية إعلام في الهيئة العامة لتقنية المعلومات، وتمارس عملها بكل شغف وتميز، ولها قصة أعرضها عليكم للعبرة والاستفادة.
قال تعالى: (.. لا تقنطوا من رحمة الله ـ الزمر: 53).
قالوا:
إذا كنت ترجو كبار الأمور
فأعدد لها همةً أكبرَ
كانت ضيفتنا في هذه الزاوية شيخة الجساسية أول فرحة لعائلتها، وكانت صدمة لوالديها «فاقدة البصر»، وعندما بلغت الثامنة، وبعد عناء ومشقة، وجدوا لها مدرسة لتعليم الأطفال ذوي الإعاقة البصرية في مملكة البحرين، وسافرت مع مجموعة من المكفوفين العمانيين لتعلم طريقة برايل من الصف الأول إلى الصف التاسع، ولك ان تتخيل عزيزي القارئ كيف تحملت هذه «العمانية المبهرة» الغربة والإعاقة وهي وحيدة بعيدة عن أسرتها لكن إصرارها وتحديها وعزيمتها جعلتها قادرة على التعلم.
عادت الى بلدها وحصلت على نسبة 97% في الصف التاسع وكرمها الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء في عيد العلم وأرادت
ان تواصل تعليمها في المدارس الحكومية بالسلطنة مع اقرانها المبصرين حتى تتمكن من الالتحاق بالمرحلة الجامعية وتم قبولها في مدرسة الغالية بنت ناصر بولاية عبري حيث كانت هي أول طالبة كفيفة بالمدرسة وكان الكادر البشري كله سواء التعليمي أو الإداري غير مؤهل للتعامل مع مثل هذه الحالات ولكن الجميع تعاون من أجل أن يحققوا جميعا رغبة هذه البنت المجتهدة وامتد التعاون إلى كل المحيطين بها من أسرة وعائلة ومجتمع حتى ان الاختبارات كانت بطريقة شفوية، المعلمة تقرأ السؤال وشيخة الجساسية تجيب، وتفوقت هذه «الجساسية» من الصف العاشر حتى الثاني عشر وحققت حلمها بدخولها جامعة السلطان قابوس متخصصة في الترجمة، رغم ان الجامعة رفضت طلبات استقبال الطلاب المكفوفين في قسم اللغة الانجليزية والترجمة آنذاك لانهم لم يسبق لهم التعامل مع حالات كحالة شيخة وكانوا متخوفين ويتساءلون كيف ستتمكن شيخة من تأدية الاختبارات والإجابة والكتابة والقراءة.
مادامت هناك حياة فهناك أمل.
ومضة: اليوم شيخة تعمل في قسم الإعلام والتوعية «اخصائية إعلام» وتقوم بنفسها بكتابة نصوص وأخبار ومحتوى الموقع الإلكتروني وتترجم النصوص وتدقق الأخبار لغويا وأيضا تقوم بأعمالها الإدارية حسب الأصول وبتفوق مبهر وتذكرني والله بابنتي عائشة حسين الحشاش التي قهرت ايضا الإعاقة ومعها أمها البطلة سبيجة الغيص.
قالوا: تعلمت فن الانتصار من الهزيمة.
آخر الكلام: استمعت في الأيام الماضية لها في إذاعة الـ«بي بي سي» العربية، حيث كانت تتحدث واثقة صريحة جريئة غير مترددة، وهل هذه النقلة اللافتة للنظر مردها الى التعليم؟ ولكم ان تتخيلوا لو ان هذه الأسرة استكانت وركنت الى الانهزام أمام الإعاقة.. هل رأينا واستمعنا لابنتنا شيخة الجساسية؟
قال الشاعر:
شمّر وجدَ لأمر أنت طالبه
إذ لا تُنال المعالي قطُّ بالكسل
انني اوجه الانظار خاصة الامهات والآباء، ان رزقكم الله بأطفال ذوي إعاقة تقبلوا الأمر بصدر رحب واعملوا كل ما في وسعكم واعطوهم الرعاية والفرصة وادمجوهم في المجتمع ولا تعزلوهم بل اعطوهم الثقة واعملوا معهم في النور.
زبدة الحچي: من الكويت نرسل تحية كبيرة لابنتنا العمانية شيخة الجساسية وأسرتها الكريمة ونأمل ان نراها في الكويت لنسعد برؤيتها ونجاحها، وفرصة نذكر قطاعات المجتمع المدني في دولنا الخليجية العربية باهمية ايجاد تعليم ذي جودة متخصص في هؤلاء المعاقين من ذوي الحاجات والهمة للارتقاء بهم الى مصاف الأسوياء، وان كنت ارى أحيانا ان كثيرا منهم أفضل من الأسوياء الاصحاء!
قال الشاعر:
فإن ربك يعطي كل ذي همم
ويجعل الصعب ميسورا لمن عملا
أما الجهات الحكومية فإنني أرى ان من أول واجباتها الاهتمام بهذه الفئة والاستفادة اليوم من التقنية الحديثة ووضعها في خدمة هؤلاء حتى يواكبوا كل جديد ونرتقي بهم الى المستوى المرجو لهم، اضافة الى تقديم كل انواع الدعم اللوجستي لهذه الفئات التي تعينهم على أداء وظائفهم واستمرارية حياتهم بسهولة ويسر.
قالها ابو القاسم الشابي، رحمه الله:
ومن لا يحبُّ صعودَ الجبال
يعشْ أبدَ الدهر بين الحفر
شيخة الجساسية كل أهلنا في الكويت يسلمون عليك ويحيون ارادتك الشامخة.
شيخة.. والله انك شيخة وتليق بك المشيخة وتشرفينها.
يا شيخة: من عرف نفسه لم يضره ما قاله الناس فيه.