[email protected]
منذ صغرنا ونحن نتعلم أن المثقف من يعرف المعارف والعلوم والفنون والتاريخ والحضارات والأديان، ومثقفو الأمس بالفعل كانوا على قدر كبير من العلم والثقافة والمعرفة، أما اليوم ففاقد الشيء لا يعطيه!
كان المثقف في الماضي هو ضمير الأمة وجسر عبورها إلى استشراف المستقبل ونبراسها المتطلع الى الحرية والعدالة في رفعة لا تطاول وتواضع لا ترفّع وغرور وجهالة.
وفي نظرة الى من يقودون الأمة اليوم نجد أن القليل جدا صالح اما البقية فمصيبة، وهم من نصبوا أنفسهم ليعلّموا ويقودوا الناس وهم بحاجة الى من يعلمهم لجهلهم قبل غيرهم، ورحم الله الجيل الذي سبقنا من أساتذتنا ومعلمينا وأئمتنا ومشايخنا يوم كان الواحد منهم يُقدَّم وتراه يأبى لعظم المسؤولية، وترى في لسانه تأدبا وهو معلم نفسه قبل الناس ومؤدبها، ولهذا حازوا القبول والإجلال من الناس.
اليوم الناس مندفعون وراء من يعتلون صهوة أجهزة التواصل الاجتماعي و«الفاشينيستات رجالا ونساء»، ولا حول ولا قوة الا بالله!
قال تعالى (.. قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور) الرعد: 16.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع».
المفكر خالد محمد خالد يقول: ليس في الثقافة حلال وحرام، وليس في المعرفة مباح ومحظور، اقرأ في كل شيء، وعن كل شيء، وعش في أوسع مساحة ممكنة من المعرفة والفهم.
ربما هذا الكلام وغيره شجع كثيرا من طلاب العلم الشرعيين على المزيد من القراءة وبعضهم بعد ان تداخلت عليهم المعلومات كفر وارتد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومضة: مثقفو هذا العصر يعانون من الضحالة وأقصد ضحالة المعلومات وقلة الفهم، وبمعنى أدق «كالماء الضحل»، يعجبك أبيض رقراق لكنه قليل.
من أدب الحكمة: اذا جهلت فاسأل، واذا زللت فارجع، واذا أسأت فاندم، وإذا ندمت فأقلع.
آخر الكلام: المثقفون المزيفون كثيرون وهم فئة كبيرة اليوم من البارزين في الميديا، وهم شريحة موجودة في كل مكان بالعالم وفي كل مجتمع وكل زمان، وهم للأسف لا يؤمنون إلا بأنفسهم ويحتقرون غيرهم في غرور وتكبّر واضح، ومن شجعهم هو المسؤول عن هذه المصيبة الأخلاقية.
قال المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
زبدة الحچي: طالب العلم المتواضع الباحث عن «العلم» ويعتبره فريضة وشرف الطالب من المطلوب وهو طالب الأجر والمثوبة من الله عز وجل ومعلمه ومجالس العلم ومطابقة علمه بمرامي الشريعة وحدود الله والبعد عن الكبائر وهوى النفس، عفيف عن المطامح والمال والابتزاز، يعلم ويتعلم بقلب مخلص وأدب جمّ وإنصات وصدر واسع ونفس طويل في محاورة الناس بالأدلة والبراهين لا بالكلمات «الصفيقة» التي نراها هنا وهناك في مجتمع الثقافة الجديدة التي استخفّت بعقول الناس في غرور وعنجهية بعيدة عن الحلم.
الثقافة اليوم مزيفة ووراءها صعاليك جدد ليس لهم علاقة ابدا بالتعلم والتعليم والثقافة.
خلاصة الخلاصة: قال تعالى (قل هي يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) الزمر: 9.
يقول أرسطو: الجاهل يؤكد، والعالم يشك، والعاقل يتروى.
رحم الله أبا تراب الخليفة الرابع علي بن أبي طالب يقول: لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ميراث كالأدب.
وتبقى الحقيقة: الناس أعداء ما جهلوا.. في زمن الجهالة الجديدة!
والنصيحة مني (.. وأعرض عن الجاهلين) الأعراف: 199.
احذروا المثقفين الجدد، فالخير في المعرفة والشر في الجهل.
رحم الله ابا العلاء المعري الذي قال:
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا
تجاهلت حتى ظُن أني جاهلُ