من حُسن الطالع عقب أداء صلاة الجمعة بمسجد هيا الإبراهيم في يوم الجمعة 21 رمضان 1438هـ، الموافق 17 يونيو 2017م، رافقني الأخ
سامي ياسين وحظينا بشرف مقابلة العم الشيخ محمد صالح الإبراهيم في داره بمنطقة أبوالحصانية، وقد سرتني شوفته والحوار معه لمدة ساعة، ولفت نظري أنه واضع «الأنباء» أمامه، وقال لي انه يقرأها كل يوم، ولله الحمد والمنة ويزاول حياته بتلك الابتسامة الرائعة والواثقة التي تعلو محياه دائما وتعطيك الطمأنينة.
والعم بو صالح منذ سكني في منطقة أبوالحصانية سنة 2000 وأنا أتشرف وأفرح بالجلوس بين يديه ساعة من الزمن كي آخذ من علمه وثقافته الواسعة عقب أداء صلاة كل جمعة وكان يحضر معنا الخطبة والصلاة ماشيا من بيته الى مسجدهم وكنت ومعي الكثير من أهل الكويت نزوره ايضا في يوم الجمعة ليلا حيث يدور حوار ونقاش وتوجه له الأسئلة والكل مستمتع بالاستماع الى إجاباته الوافية ثم يعقب هذا عشاء.
والعم الشيخ محمد الإبراهيم ينتمي الى عائلة الإبراهيم الكريمة وهي معروفة في الكويت وخارجها بدعم العلم والثقافة ولهم دورهم في الكويت القديمة وفي إنشاء المدرسة المباركية وغيرها من المشاريع التعليمية والثقافية حينذاك، وهم أول من طبع بالكويت كتاب «نيل المآرب» الذي صدر عام 1288 هـ في مصر على نفقتهم، وهو بلا شك احد أركان هذه العائلة التي تجد فيها الضيافة والوفادة منذ القدم والعم «أبوصالح» عميدها.
أنا ولله.. شعرت بالفرحة الغامرة عندما سمح لي بأن التقي بشيخي ومعلمي أول من أمس لأنني شعرت أولا بأنني أجلس أمام عالم طالما حدثته في كثير من المسائل، وكان يجيب عليها بتلقائيته وهدوئه وسعة اطلاعه، وكنت دائما أستمتع عندما أوجه له (السؤال تلو السؤال تلو السؤال) وهو يجيب عليها دون تذمر أو مقاطعة، فهو ملمّ بالشريعة الإسلامية والشعر والأدب والثقافة ويمزج لك كل هذا في قوالب إبداعية من سعة المعرفة والاطلاع، وفي إحدى المرات سألته عم أبا صالح أريد حكمة اجعلها شعارا لحياتي؟ فقال: رأس الحكمة مخافة الله.
بالأمس وأنا جالس معه قلت له ممتنا بأنني قرأت، كعاشق للكتاب، كتبه، الكتاب الأول: «من خصائص القرآن» وأيضا كتابه «الخيل عند العرب» وكان رده باسما واثقا وقال أتذكر أني أعطيتك نسخا منها لك وللتوزيع وقد صدق وزاد بتعريفي قائلا: أتذكر أيضا الرسائل التي كتبتها بعد التحرير وهي: وطني الأشم.. وأما آن لهذه الأمة أن تستيقظ؟!
ما شاء الله وتبارك الرحمن، ربي يحفظ لك ذاكرتك وحيويتك شيخنا العزيز أبا صالح المفضال دائما.
وسعدت انه تذكر أعماله الجليلة ودار حوار حول مكتبته العامرة فهو وللعلم اقول (خصص مبنى مكتبة منفصلا عن داره) يرتاده طلاب العلم والباحثون والمتخصصون لأن هذه المكتبة تضم آلاف العناوين وعددا كبيرا من المراجع النادرة وقد زرت هذه المكتبة والتي تضم مئات الكتب القيمة إضافة إلى أكثر من 600 مخطوطة، وقد فقد من هذه (المكتبة القيمة) 70 مخطوطا نادرا أثناء الاحتلال العراقي للكويت، وكم رأيت (نظرة العاشق لمخطوطاته من العم محمد الإبراهيم) والذي أثرى هذه المكتبة بشراء الكتب النادرة والمخطوطات وكنت أرى في ديوانه العامر سابقا كثيرا ممن يسوقون لبيع المخطوطات عنده يزورونه ويعرضون عليه بضاعتهم.
والعم محمد الابراهيم ـ أبو صالح ـ اذا جلست في مجلسه يشعرك باهتمامه وفي الحديث معه يدفعك نحو عالم الأدب والدين والثقافة خاصة الأساتذة الذين كان لهم دور في الحركة الثقافية في الكويت ويعطيك من تجربته الثرية في عشق الكتاب وكيفية التعامل معه، ولن أنسى أبدا في حديثه لي وفاءه بذكر الأدباء من أصدقائه مثل العم احمد بشر الرومي وعبدالله الحاتم وعبدالله الفرج وعبدالله زكريا الأنصاري رحمهم الله جميعا.
في عام 2011 زرته في شهر يوليو في عز الحر (يسبح) في البحر مقابل بيته بكل تواضع، وكان معه أحد العاملين وكان معي أحد الأصدقاء فقال لي: من هذا؟
فقلت: هذا رجل بأمة؟ ألا تعرفه؟ هذا واحد من الرعيل الأول وأسرته الذين بنيت على أكتافهم الكويت ولا هانت الأسر الأخرى والتي ذكرت في سجل التاريخ الكويتي.
انه العم «بو صالح» الشيخ محمد الابراهيم، مثالا يقتدى في الكرم والعلم والفكر والفقه واللغة والتاريخ.
ومضة: ادعوا معي في هذا الشهر الفضيل للعم محمد صالح الابراهيم والذي كنت أراه في رمضان سابقا يستقبل المئات ليقضي لهم حوائجهم، وكنت ممن كان يكلفهم في أكثر من مرة بأن أوصل أمانته لبعض الدعاة، رحمهم الله، ورسائل للوالد يوسف جاسم الحجي ـ أطال الله عمره في صحة.
آخر الكلام: بو صالح من الزمن الجميل وينتمي لأسرة وعائلة معروفة وحاز محبة الناس بكل شرائحهم لتواضعه الجمّ وسعة معرفته وتركه الأثر الطيب، وقد أبكاني بالأمس عندما سألني عن أحد أصحابه من الدواسر وقال إنه يتمنى شوفته ولا يعلم أحواله وهذا دليل سلوكي واخلاقي نادر في هذا الزمن، السؤال عن الصاحب إذا غاب!
زبدة الحچي: نحن أمام وفي حضرة رجل عالم وأستاذ ومثال للكرم والجود والشهامة، مفكر وباحث وأديب ومثقف وله من الأوصاف ما يصعب حصره في العلم والفكر والثقافة والأدب والفقه والتاريخ، واسع المعرفة شعاره الجميل مقولة الشاعر:
أنست بوحدتي ولزمت بيتي
وطاب لي الجلوس مع الكتاب
إلى كل محبي الشيخ محمد صالح الابراهيم ـ وصحبه الكرام وطلاب علمه وتلاميذه أطمئنكم على صحته ويحتاج منا جميعا الدعاء في هذا الشهر فلا تبخلوا عليه وهو الذي طالما أعطى بيمينه ما لا تعلم شماله في وطني الأشم وكان قلبه وديوانه ملتقى كل عابر سبيل وطالب علم.
أخيتي ابنته أم سعود وأسرته العريقة الممتدة.. ألف شكر مني ومن كل محبيه في داخل وخارج الكويت.. الالتقاء به كان بركة واطمئنانا ودعاء.. ويستاهل العم «بو صالح» الدعاء له في ظهر الغيب.. ويا رب مدّ في عمره بصحة وراحة بال.
قولوا: يا رب آمين.