[email protected]
يحق للأهل والأشقاء في المملكة العربية السعودية ان يفرحوا بيوم ملحمتهم الوطنية الكبرى بإعلان الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه ومثواه، توحيد المملكة العربية السعودية في العام 1932 وبعيدهم الوطني المجيد.
ومع حلول هذه المناسبة وأنا أُقلّب الكتب في مكتبتي، لفت نظري كتاب قديم مؤلفه د.فهد بن عبدالله السماري، وتناول فيه موضوع العلاقات السعودية ـ الألمانية خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين للتقدم به لنيل درجة الدكتوراه في التاريخ الحديث بجامعة كاليفورنيا ـ ريفرسايد University of california Riverside في الولايات المتحدة الأميركية وذلك في العام 1410هـ/ 1989م.
أقسم بالله ان الملك المؤسس عبدالعزيز، رحمه الله، لو طال عمره لوحد أمة العرب تحت زعامته بتفرد نادر!
بدأت أقرأ الكتاب وسرحت معه لأنه يتناول العلاقات السعودية ـ الألمانية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين خلال الفترة 1344 ـ 1358هـ (1926 ـ 1939م)، وانظروا في التاريخ السحيق من له القدرة على التفكير الاستراتيجي للاستعانة بالألمان حينذاك؟! الكتاب ممتع ويتحدث عن مرحلة منسية من التاريخ، ولكن أوضاع المنطقة اليوم تذكرنا بالتحالفات السياسية.
إنه إثبات حقيقي غير مزور كما يزورون التاريخ وشاهد على سياسة الملك المؤسس على ان دولته دولة ذات سيادة وكيان سياسي مؤثر في امة العرب وحمل راية التوحيد والإسلام في مبادئ ثابتة ومستقلة عن التحالفات والوصاية والحماية.
لقد نظرت في مراجع الدراسة كباحث غير سياسي، فوجدت ان المؤلف استقاها من الارشيف البريطاني والفرنسي والالماني والاميركي، ومن أرشيف المملكة العربية السعودية.
لقد سهرت في قراءة تاريخ الملك عبدالعزيز، رحمه الله، وهو يؤسس لبداية مرحلة سياسية ديبلوماسية، وقد اعجبني كصاحب رؤى ان يبدأ مع الالمان ببحث الصداقة والنشاط التجاري، خصوصا ان المملكة حينذاك كانت تعاني من ازمة مالية خانقة، اضافة الى كونه قد وقع اتفاقيات مع بريطانيا وإيطاليا 1357هـ/ 1938م.
ذكاء وفطنة الملك المؤسس بأخذه مبادرة توقيع الالمان على معاهدة للحصول على المساعدات التي تحتاج اليها المملكة العربية السعودية وسحبه طلبه لتأمين صفقة الأسلحة في وقت حرج ومناسب ليتجنب الضغط الالماني من اجل استعمال بلاده للعمليات الحربية المحتملة!
فكر هذا الملك المؤسس يجب ان يُدرّس، في نفس هذه المرحلة تحاشى ان تجرّ بلاده الى فلك النازية، كما حدث لقادة عرب آخرين!
وكان ذكاؤه وفطنته وحنكته سببا في نجاحه في سحب نفسه من ميدان الصراع الالماني، في حين كان مفتي القدس محمد امين الحسيني، رحمه الله (1313 ـ 1394هـ)، وهو من اكبر قادة الحركة الفلسطينية الوطنية نشاطا يحاول ان يتصل بالالمان خلال الحرب ليؤمن السلاح، ولعل مرد ابتعاد الملك المؤسس عن الالمان في هذه اللحظة انه ادرك نوايا الحزب الوطني الاشتراكي بقيادة هتلر وأبعد بلاده عن الدخول في دوامة ذلك الصراع العسكري السياسي، وهذا مما يدل على قوة شخصية الملك عبدالعزيز وحنكته الديبلوماسية واتصالاته دون توريط بلاده في خضم سياسات وأهداف تلك الدول، هنا تتجلى عظمة وقوة وتفكير وسياسة الملك عبدالعزيز الخارجية وقدراته القيادية المتميزة.
ومضة: ما احوجنا الى قراءة متأنية في فكر الملك المؤسس ونحن نتكلم عن نهاية الثلاثينيات الميلادية، اي ليست هناك مرجعية سياسية وديبلوماسية تدرس خاصة في وجود تنافس بريطاني ـ الماني من اجل استقطاب المشرق العربي، خصوصا ان الالمان شعروا مبكرا بأهمية التغيير في سياسة المانيا الخارجية في المشرق العربي.
آخر الكلام: كان الملك عبدالعزيز وهو «عبقري سياسة» يدير سياسته الخارجية على اساس من المبادئ نفسها التي كان قد وطدها من قبل، وقد رفض «الحَيد» عن تلك الخطوط، وهكذا قرر بذكاء منقطع النظير الانتقال من احدى القوى الى قوة اخرى لتحقيق أهدافه.
زبدة الحچي: بعد قراءة الكتاب الذي سأهديه الى سعادة سفير المملكة العربية السعودية المكرم د.عبدالعزيز الفايز، اتضح لي حرص الملك المجدد في ظل «التقاطبات» على ان يكون لديه جيش قوي يدافع به عن مملكته المترامية الاطراف داخل شبه الجزيرة العربية.
وبلغة اقولها صريحة ان جوهر سياسته في هذا الاتجاه يكمن في لجوئه الى تغيير القوى التي يتعامل معها دون تغيير السياسات، ومن جانب آخر اتضح لي جليا كيف سخر الملك المؤسس سياسته الخارجية لخدمة القضايا العربية ودعمها معنويا وماديا بشراء صفقات اسلحة عديدة وتقديم الكثير منها ـ رغم صعوبة الحصول عليها ـ للحركات العربية المناوئة للاستعمار مثل السوريين والفلسطينيين وغيرهم.
لقد كانت سياسة بريطانيا وإيطاليا في المنطقة مصدر تهديد للملك عبدالعزيز، وقد ظهر التهديد الإيطالي للدولة السعودية من خلال التدخل الإيطالي في اليمن ومحاولتهم إقامة نفوذ لهم على البحر الأحمر، وزادت الاتفاقية الانجليزية - الايطالية لعام 1357هـ/ 1938م من الإحباط الذي أحس به الملك عبدالعزيز إزاء كل من البريطانيين والإيطاليين، ما جعل الملك عبدالعزيز يتجه الى ألمانيا لإقامة علاقات سياسية ويحصل على المساعدات الضرورية بشروطه المعروفة ومبادئه المحددة، وجر الرايخ الثالث لنشاط تجاري في ظل أوضاع اقتصادية معقدة للغاية، وأيضا حذر الملك المؤسس من خطر الوقوع في شبك الدعاية النازية وأهدافها السياسية.
شكرا للدكتور فهد بن عبدالله السماري على هذه الدراسة القيمة التي تستعرض فترة قديمة من العلاقات السعودية ـ الالمانية وفي ظل اوضاع تستلزم في كثير من الاحيان حاليا تغيير التحالفات لصالح الوطن.
وفي مقدمة الكتاب كتب د.فهد السماري كلمة شكر لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز على دعمه وتوجيهه لنشر هذا الكتاب المرجع.
تهنئة كويتية خالصة لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والى صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، والى الاسرة المالكة والشعب السعودي الوفي، ضارعين الى المولى، عز وجل، ان يديم على المملكة وسائر الدول العربية والاسلامية الأمن والأمان والاستقرار والرخاء.