[email protected]
رحلت حبيبي باكرا دون سابق إنذار ممتطيا صهوة المجد ومكتسيا ثوب الشهادة الطاهر على طريق الرياض فجر الثلاثاء الدامي 26 سبتمبر 2017، في حادث مروري مروع خلع قلوبنا من اقفاصها لتلحق بمواكب شهداء الواجب والوطن في كامل «جهوزيتك» وكالمعرس في ليلة زفافه في ليلة عمره!
قال تعالى: (والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم..) الحديد 19.
أواه يا أحمد
كأنك تعلم ان للشهيد خصالا ومكاسب وقيما أولها انك الآن في عداد الأحياء وقد نلت درجة الفردوس الأعلى من الجنة في «بيت الحمد» وتجاوزت عذاب القبر لأن هذه الخصال للشهيد وليست لغيره.
لكننا نعلم ان الله يوم القيامة يشفع لثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء.
في صباح الثلاثاء الدامي سجدت طويلا في مسجد هيا الإبراهيم بعد سماعي لخبر وفاتك داعيا الله عز وجل ان ينزل الصبر والسكينة والطمأنينة على والديك وجدتك واخوانك: فهد ـ سالم ـ محمد وأخواتك وربعك، لانني اعلم علم اليقين ماذا تعني هذه الكربة والمصيبة في فقد «حبيب» عند أهله!
لقد علمتني صدمة وفاة ابني «أحمد»، رحمه الله، ماذا يعني الفقد المبكر!
أيها الشهيد
أيها الأحمد
أيها الاشم
حمدا لله على انك اقبلت على ربك غير مدبر، حاصلا على فضل الشهادة وكرامة الشهيد.
يا احمد
كلنا نؤمن بأن الموت في رقاب العباد، والله سبحانه خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا، وموتك يا حبيبي وانت تؤدي الواجب مضرب فخار واعتزاز وشهادة.
يا أحمد
رايتك بيضاء يا حبيبي، وذهبت «راضيا مرضيا» لقضاء ربك مؤديا واجبك، ولتتركنا جميعا «أسرة وأهل وربع وجيران وأحباب».
الكل يقولها: رحمك الله يا أبا محمود، ولنبق من بعدك نحمد الله عز وجل على قضائه حلوه ومره، ونعوذ به من سطوته ونشكره في السراء والضراء على ما أنفذ أمره، ونشهد له بالوحدانية والديمومة، وهو ملاذنا وعدة الصابرين وسلوان المصابين والكريم الشكور الرحيم الغفور المنزه عن أن يظلم أو يجور!
قال الشاعر:
دم الشهيد كحبر العلم منزلة
ما أعظم العلم ان ساوى المداد دما
أواه يا أحمد
الفراق صعب جدا على كل بني آدم خاصة «الوالدين» والحياة ستستمر والكل يسعى في مناكبها، لكن «الغصة» ستكون عن الوالدين والجدة والاخوان والاخوات، وهادم اللذات لا يرحم اذا جاء وحل فلا مفر إلا التسليم بقضاء الله وقدره، يقول تعالى: (كل من عليها فان..) الرحمن 26، ويبقى كل واحد منا ينتظر أجله المحتوم.
يا أحمد
ابشر، فكل الشواهد تدل على القبول ويا مال الجنة يا حبيبي، ففي يوم دفنك ما أهيب «جنازتك» وقد ضاقت مقبرة الصليبخات بما رحبت وكيف لا والكويت كلها حاضرة لتعزي في «ولد بطنها» فقيد الشباب والعسكر!
وابشر ايضا.. ففي أيام عزائك الثلاثة كانت جنوب السرة «قبلة» المعزين لتصافح وتعزي «والدك» وهو أحد أبناء الكويت البررة من الذين قادوا الكفاح المسلح ضد الاحتلال العراقي الغاشم وصحبه الكرام الأحياء، ورحم الله الشهداء الأبرار أمثالك يا حبيبي.
كنت أرى يا وليدي احمد.. طوابير المعزين وادعو: يا رب انزل على هذا «العسكري» الانسان الصبر والثبات في هذا الأمر الموجع المهول المزعج.
وعندما صافحت والدك قال لي: ادع له بالثبات!
انا أبٌ عانى الفقد واعرف ما يمر به أخي «محمود الإنسان» من نار تستعر في الجوف حرقة وولهاً واشتياقا تضطرم بالفؤاد وتفت العضد ولسان الحال يقول:
فلرب أمر محزن
لك في عواقبه الرضا
ولربما اتسع المضيق
وربما ضاق الفضا
ايه يا محمود.. الله يصبرك ويعينك و«امميمته» هكذا هيا الدنيا تضحك ساعات لتبكيك الدهر كله، ولولا رحمة من ربك ومع الاحتساب لوردنا القيامة مفاليس!
ايها الأحمد السعيد الشهيد
يقول لي الأخ جاسم التنيب انك حبيبي اصررت على استقبال «أمك» من السفر، وذهبت مودعا والدك وهو يهم لتلبية دعوة رسمية بالخارج وكأنك بأخلاقك وفروسيتك تودع أغلى ما في وجودك!
يا أحمد
آه.. والله أقولها من قلب أب عانى الفقد وهو جرح صعب ان يندمل، وكم ضاعت من الكلمات والسطور وانا ارثيك في هذا الفقد المبكر، ولا اعتراض على مشيئة الله عز وجل، لكنني اتوجد واتعاطف مع والديك واعرف ان قواميس كل اللغات لن ترثيك في هذا المصاب الجلل، لكنني متعاطف ومنحاز لأخي «محمود» الانسان أما «محمود العسكري» فهو «سيف مجرب» عند أهل الكويت لكنه يبقى انسانا له مشاعره النبيلة، كما اننا جميعا ندعو لوالدتك وجدتك، أوَ تدري ماذا تقول جدتك؟
تقول اطال الله في عمرها في صحة: يستاهل «وليدي» حصاد الخير كله من الكويت وشعبها، وتواصل: يا الله ما أحلى ابتسامته لا تفارقني، والله يجمعني معه في الفردوس الاعلى.. «ابكتني» رسالتها!
من المحطات المهمة يا أحمد من «تركتك» الحقيقية هي حب الناس لك خاصة ربعك وأصدقائك، وقد شاهدتهم في «المحشرة» رجالا كالجبال اجتهدوا في محبتهم لك، وضرعوا للمولى عز وجل ان يجمعك بهم يوم القيامة.
مآثرك كثيرة يا أحمد، من أطيبها «صلتك لرحمك» فكل حياتك «بر وصلة» الاقرب فالأقرب، والكل يشهد لك بذلك، «خلق رفيع» يليق بك ايها الشهيد البار بأهله وجماعته، الوفي الأصيل في فزعته لوطنه وشعبه، وهذا فضل الله عليك ولا يفوز بهذا إلا ذو حظ عظيم!
مناقبك كثيرة يا حبيبي ابرزها انك رحلت تاركاً الدنيا بعيدا عن الخصومات والخصام وكنت دائما في حياتك تؤثر «الخير» تاركاً الكبر والطاووسية والغرور، شارياً رضا الرب العزيز الودود لان الاخلاص هو الإخلاص لله وحتى في وفاتك ذهبت يا حبيبي في خشوع الشهداء!
أيها الأحمد «الفقيد»
حمدا لله انك اديت فرضك مع أحب الناس اليك مع سيدك ووالدك بوفهد، وكأنك عرفت ان حصاد الدنيا هو ثمرة الآخرة، يوم تزينت بالإحرام حاجاً ومُلبياً دون خيلاء ولا رياء مع الملبين والمعتمرين والحجاج من ضيوف الرحمن، وكأنك يا حبيبي واثق ان يوم الشهادة قادم لتجعل مثواك في افسح القبور «متزينا» بشهادة الواجب، كلنا حول نعشك نبكي وانت تضحك لأنك ترى مكانك في الجنة في بيت الحمد ان شاء الله.
يا أحمد.. يا من تقرأ هذا المقال الآن «اني» داع فأمّنوا:
اللهم اغفر لأحمد بن محمود الدوسري، ارفع درجاته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين، اغفر له ولوالديه وأهله وكل الشهداء الأبرار وافسح له في قبره ونوّر له فيه، اكرم نُزله، ووسع مُدخله، واغسله بالماء والثلج والبَرد، ونقّه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس يا الله، يا حي يا قيوم. الطف بوالديه وأهله وصحبه، وانزل عليهم السكينة والطمأنينة يا رب العالمين.
يا ربنا انت أهل الوفاء والحمد فأدخله مدخلاً كريماً يليق بالشهيد ووعدك الحق فلا تحرمنا أجره ولا تفتنّا بعده، آمين يا رب العالمين.
والله ان هذا الشاب فيه من علامات القبول ما يجعلني على يقين صادق انه سيستقبل والديه في «بيت الحمد» وهو اليوم عند مليك مقتدر يرتع في برزخ نحو الخلود الأبدي في جنة عرضها السماوات والأرض.
سلام عليك يا أحمد وسلام عليك في رحيلك، وقد تركت لنا الحب والكبرياء والشهامة والشهادة، وكأنك شيء آخر «غير البشر» وفي مرتبة الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.
يا أحمد «الجمال الحقيقي» دائما أقصر من الحلم، وانت فعلاً كالحلم متى اتيت لترحل.. أواه يا أحمد.