[email protected]
في الكويت يقولون: إش عَرّف الحمار بأكل الكنار!
والكنار هو «النبق» عرفتوه!
ويضرب هذا المثل الكويتي العتيچ بالإنسان الذي يرفض شيئا أو أمرا فيه فوائد كثيرة!
ومن هنا قصة «الفوائد» جعلتني أكتب زاوية اليوم عن السدرة والكنار!
ومما تعلمنا من أهلنا القدامى، ليه طلع «الكنار» تساوى الليل والنهار!
كلمة «كنار» يقال إن مردها يعود إلى «ايران» حيث توجد هناك قرية اسمها «كنارسياه» وتعني «السدر الأسود»!
جيران الشمال يقولون «اللي يقطع النبقة ما يبقى»! كالعادة كله تحذير وتهديد!
احنا في الكويت 3 أشجار مباركة جاورونا حبونا وحبيناهم وهي: «النخلة ـ الأثلة ـ السدرة».
كلما تذكرت كيف بعنا بيتنا بالقادسية وشفت الشاري كيف قطع «السدرة» التي قضيت طفولتي تحتها ورأيت «أمي وأبوي» يأكلان بظلها الريوق، أتحسف عليها ويعورني قلبي!
السدرة شجرة مباركة ورد ذكرها في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وذكرتها كل الأديان، والكويت القديمة لا يكاد هناك بيت أو مزرعة ما فيها سدر!
في الزمن الجميل السابق نتذكر سدر الصبيحية والفنطاس وأبوحليفة والفحيحيل والجهراء وفي مزارع العبدلي والوفرة والحدائق العامة القديمة.
أهل الكويت عندهم «معتقد» ان من يقطع سدرة سيناله شر وحوبة!
والسدرة تسمى ثمرتها باللهجة الكويتية «كناره» وهي من فاكهة الكويت الموسمية المحببة للجيل المخضرم، أما «طلع الحين» انسى!
البيت الكويتي القديم استخدم السدرة وثمارها في علاج كثير من الأمراض واستخدمت أخشابها في تدفئة البيت والطبخ.
وكنار الكويت القديم صغير الحبة وتم تهجينه الى حجم «البلحة والجوافة» ويسمى الكنار «العرموطي» أو «كنار أم صليم» وهي الكنارة من دون نواة وهناك «كنار سكري» وهو لذيذ الطعم ويشبه شكله التفاحة وحالي سكري، ورغم هذا التنوع العجيب يبقى «الكويتي العتيچ» يفضل الكنار الكويتي «المحلي» الذي يمثل له تاريخا وعلاجا وصيدلية متنقلة من الأدوية.
شجرة السدرة المباركة ذكرت في 4 مواضع بالقرآن الكريم في ثلاث سور (سبأ ـ 16) والثانية والثالثة ذكر الله سدرة المنتهى في سورة النجم بالآيتين (15 و16) والمرة الرابعة ذكر سبحانه أصحاب اليمين في الآخرة في سورة الواقعة (18) كما ورد ذكر السدرة في الأحاديث الشريفة وذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في غسل الميت وعلاج الحسد والعين والسحر ولها استخدامات طبية كثيرة جدا يصعب حصرها.
وتعد «أزهار السدر» أفضل غذاء للنحل وتعطي السدرة أشهى أنواع العسل من زهرتها مرتين في السنة في سبتمبر وأكتوبر وشهري فبراير ومارس.
واستخدمها «الكويتي القديم» كسياج حول المزارع ولتثبيت التربة وحمايتها من التعرية وهي تخفض الحرارة ومصدات في وجه الزوابع والرياح، كما انها مأوى للطيور المهاجرة أو المستدامة.
ومضة: يحكى ان الكولونيل السفير البريطاني في الكويت ديكسون حلم بسدرة حلما طويلا وأخبر زوجته «أم سعود» بهذا الحلم فأخذته وذهبت به الى «أم مبارك» بدوية في الصحراء عجوز ماهرة في تفسير الأحلام فقالت له بعد ان سمعت تفاصيل حلمه، اذهب الى حقل البرقان وابحث عن سدرة هناك ونقب حولها عن النفط، ونفذ السفير الكولونيل ديكسون وصية «أم مبارك» وبعد شهرين قام فريق التنقيب بحفر بئر تجريبية حول سدرة هناك فتدفق البترول متخطيا كل التوقعات فغدت هذه السدرة مثالا للشجرة الحالمة المثمرة الواعدة!
آخر الكلام: الأستاذ عبدالعزيز المفرج «شادي الخليج» أبو علي ترنم وصدح بالأغنية الفلكلورية التراثية الشعبية «يا سدرة العشاق!».
شاعرنا شاعر الخليج خالد الفرج قال في ثلاثينيات القرن الماضي قصيدة نشرها أستاذنا الفاضل فاضل خلف في «الوطن» 10/5/2013 وهي طويلة أخذت منها تلك الأبيات:
طلعته صارت حديث الورى
حديث من يهفو إلى درته
وصار مخضرا بأوراقه
مثل اخضرار الغصن في سدرته
وصرت في مروجه باحثا
عن ورد أيار.. وفي دوحته
دمروا ديرتنا بالشجر الملون من كل حدب وصوب واحنا ما نحب إلا الأثله والنخلة والسدرة!
زبدة الحچي: شاعرنا الكويتي عبدالرزاق الديين قال في قصيدة طويلة يرثي فيها سوق الخضرة ومنها أبيات تخص السدرة يقول:
يتزاحمون على الشراء بهمة
مثل ازدحام النحل وسط خلية
ولهم ضجيج لا يمل سماعه
كضجيج طير قد لجأ في السدرة
نحن قوم نعشق السدرة بكنارها وظلالها وطيورها.. شيء جميل في الكويت اسمه «السدرة» يا ليت نحافظ عليها ونزرعها بدل هالشجر «الچذيبوا»!