[email protected]
كنت في مقتبل شبابي أعشق تيار القوميين العرب من أمثال عبدالله أحمد حسين الرومي، أحمد السقاف، د.عبدالله الرشيد الحصان، د.خليفة الوقيان، وآخرين كثر يصعب عليّ حصرهم، غير انني كنت أحب أشعار شاعر الكويت الكبير أحمد السقاف ـ طيب الله ثراه ومثواه، وكنت أشعر بسعادة كبيرة عندما أجده في رابطة الأدباء أو رابطة الجنوب العربي في حولي، وما يميز شاعرنا الكبير احمد السقاف، رحمه الله، انه ملم بكل تطورات الأدب العربي الحديث والقديم ومؤتمرات الشعر والأدب، وكان مرجعا في الأدب والثقافة والشعر وكان بحق من «رجال الزمن الجميل» له امتداداته واتصالاته بالدول العربية وروابط الأدب واتحاداته ومؤسساته.
أحمد السقاف، أقف طويلا أمام شاعريته، لا بل عبقريته الشعرية وهو ذو نزعة انسانية في كل أشعاره تقطر «عروبة» فهو يئن لطفل عربي مشرد ويتألم من أجل المحرومين وله صفات الطيبة والتسامح والكرم.
عرف السقاف بالدقة والحرص والحذر في كل كلمة يكتبها او تخرج منه ومقالاته وأشعاره «تدرس» كنماذج خالية من القذف وبذيء الكلمات.
والله انني سررت كثيرا عندما تم اختيار شخصية عام 2007 في مهرجان القرين وتذكرت له أمسية قادها في رابطة الأدباء يوم استضافت الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.
لقد أثرى الشاعر احمد السقاف مجلة العربي بأشعاره وانتاجه الأدبي طوال حياته، كان شديد التأثر بما درسه في كلية الحقوق في بغداد في الأربعينيات، وقد أحسنت بلدي الكويت يوم كرمته بتسلم جائزة الدولة التقديرية عام 2001 وقد سلمها له د.محمد الرميحي وكان برفقته أحد تلامذته النجباء وهو د.خليفة الوقيان، أمد الله في عمره.
انني أنصح طلاب العلم بالرجوع الى أشعاره في كتبه فهو بحق واحد من الشعراء العرب المخلصين الذين دافعوا عن «عروبة» الوطن العربي بشجاعته وكان، رحمه الله، لا يرضى «بمهانة العرب» ولو عاش هذه الأيام لمات كمدا، لذا أطلق عليه اسم الشاعر «القابض على جمر الإبداع الشعري»!
ومن يتصفح أشعاره في المضمون واللغة والشكل ينبهر لخصائص تميزه في اختيار الكلمة.
ومضة: وزارة التربية وجامعة الكويت، أمثال الشاعر احمد السقاف وصحبه الكرام الذين إما ماتوا، رحمهم الله جميعا، أو أحياء، لم لا تكون هناك في مناهجنا ومقرراتنا «أماكن» لأمثال هؤلاء الأفذاذ؟ ففي أشعارهم الوطنية الكثير من المعاني الطيبة التي يجب ان ينهل منها هذا الجيل الواعد.
وهنا لا بد من التوقف عند رفيقة دربه السيدة نجيبة السيد يعقوب الرفاعي ـ أم أسامة، وهي سليلة أسرة محافظة في الكويت وأنجبت له «هيفاء ـ لمياء ـ ميسون ـ فارعه ـ أسامة ـ محمد»، الله يحفظهم ويجمعهم ولا يفرق بينهم، وهم ولله الحمد ناجحون في حياتهم الوظيفية وتنوعت تخصصاتهم ما بين العلوم السياسية والاقتصاد، ولعل الحفيد أحمد أسامة السقاف ـ حفيد شاعرنا ـ هو الأقرب له شبها وخلقا وشأنا ولعله يأخذ من جيناته الشعرية بما ينبئ بميلاد شاعر كويتي قادم إن شاء الله.
آخر الكلام: تاريخ الشاعر الفذ أحمد السقاف، رحمه الله، يصعب حصره في مختلف المجالات من ثقافة وأدب، فأبو أسامة من الرواد الأوائل العظام الذين أسسوا النوادي الأدبية ولعل في رحلاته الكثيرة في مشارق ومغارب الوطن العربي ما نقترح جمعه في كتاب يرصد دوره في المجلات الأدبية والنوادي والمؤتمرات والأسفار والرحلات فهو كان كثير التردد على بغداد والقاهرة والمغرب ولبنان وتونس ودمشق واليمن.
زبدة الحچي: تكريم الشاعر احمد السقاف على مستوى الدولة ومهرجان القرين هو تكريم استحقه عن جدارة، لأنه من رجالات الكويت الأفذاذ الذين قادوا حركة التنوير وبناء نهضة الكويت وكلنا قرأ وشاهد دوره في اكثر من مجال أدبي وثقافي في الكويت وخارجها.
اننا بالفعل نشعر بالفخر والفرح معا لاننا نملك مجموعة من الشعراء على المستوى العربي، لا بل العالم، لأنهم بكل صراحة شاركوا أمتهم في جميع أزماتها وجراحها بقصائدهم الرائعة ومقالاتهم الأدبية المذيلة بالوفاء والصدق.
من الصعب على تلميذ مثلي أن يكتب عن أستاذ قدير بطول قامة الأستاذ احمد السقاف، رحمه الله، والذي أثرى المكتبتين الكويتية والعربية.
صعب عليّ جدا ان اختار من أشعاره لأنها درر، غير انني اقتطع جزءا من قصيدة «نقرور السقاف» يقول فيها:
حامل النقرور يطوي الأرض بطي
مسرعا للبيت كي يشويه شيْ
قرقر البطن له مستبشرا
هكذا النقرور يغري وهو نيْ
ليت شعري كيف لو أصبح في
طبق أُظهر في أحسن زيْ
ناشرا ريح شواء عاطر
مثلما الأزهار فاحت بعد ريْ
لرأيت الريق كالسيل إذن
يغرق الأضراس شيئا بعد شيْ
قال لي السقاف لما شافه
همت بالنقرور حقا يا أُخيْ
فلنعد للسوق ولنشريه من
بائع الاسماك ميتا بعد حي
فأتينا السوق نمشي خببا
نقطع الأرض ولم نحفل بشيْ
فاشتريناه سمينا ناعما
ويْ لنقرور أهاج البطن ويْ
رائع أستاذنا احمد السقاف، في كل اشعاره تجد قوة البيان والرأي لا يخاف في الحق لومة لائم، وهو بحق فخر لبلده وأمته وكل الشكر للأخ د.احمد بكري عصلة الذي كتب كتابه احمد السقاف القابض على جمر الإبداع.. والشكر موصول لرابطة الأدباء لتمويل الكتاب وطباعته في عام 1429هـ - 2008م.