[email protected]
فقدت الكويت أول من أمس أحد أبرز أبنائها المذيعين الذين تألقوا عبر الأثير بنبرة صوته الكويتي، خاصة عندما ينطق الكويت، فإنه يشعرك بأنها تخرج من «يوفه» وليس حنجرته!
كان الأستاذ المذيع محمد راشد محمد الملا ـ بوهيثم ـ والذي عرف بالاسم محمد الراشد «كاريزما إذاعية» من جيل الرواد الذين صنعوا الإعلام المسموع، وقد وهبه الله عز وجل «صوتا» مميزا يضاهي الخطباء الوعاظ في جهوريته وقدرته على شد جمهور المستمعين له بثقافته العامة وسلامة نطق الحروف وإجادة التعامل مع «الميكروفون» عبر الهواء.
في السبعينيات عندما تزوجت كنت أراه عند عمتي أم زوجتي نورة الملا، رحمها الله رحمة واسعة، في بيتها بمنطقة الرميثية مع خال زوجتي يوسف إبراهيم الملا ـ أبوطارق ـ رحمه الله، وكانت عمتي رحمها الله «تطبخ» زين وهم يحبون «الزفرة» خاصة «المحمر والمرق المطفي» وعقبه عصيدة، وكان في عز هذه الجمعة المباركة يستأذن للذهاب الى عمله لإلقاء نشرة الأخبار، هكذا هم الرعيل الأول مسؤولياتهم مقدسة لا تُمس!
بالأمس وقفنا في طوابير طويلة بعدما تم تشييعه الى مثواه الأخير بمقبرة الصليبخات في يوم الاثنين 16 ربيع 1439هـ الموافق 4 ديسمبر 2017م، ولا عجب أن وجدت كل رجالات الكويت هناك في وداعه الأخير.
كان المذيع محمد الراشد «كويتيا صرفا» يملك مقومات المذيع الناجح من ثقافة عالية وقدرات لغوية وصوت جميل وسرعة بديهة والجلوس السليم وترك الأثر في إذاعة الخبر، كل هذا والأجمل هذه الثقة في التعامل مع الحدث والخبر وإعلاء وتخفيض النبرة بما يناسب الحدث.
محمد الراشد كان نهرا من «العطاء الإذاعي» وقبل شهر اتصلت به لتحديد موعد لعمل «مقابلة» له في «الأنباء» وأبلغته بأن «الأنباء» دائما لا تنسى أبناء الكويت الأوفياء وقال لي: مشكورين وحاضر لكن أنا الحين في غسل الكلى وأبلغك إذا تعافيت لكن هادم اللذات لم يمهله وأصيب بجلطة في الشريان التاجي بشكل مفاجئ، وقد هاتف الأخ مفرح الشمري ابنته حصة الملا، مستفسرا عن صحته، وشكرت «الأنباء» على اهتمامها بصحة والدها، لكن القضاء والقدر حل وانتقل الى رحمة الله الواسعة.
ومضة: في التاسع من سبتمبر 1969 بث تلفزيون الكويت من دبي برامجه وبحضور صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد - وزير الخارجية آنذاك، والمرحوم بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وكان البث التلفازي يغطي دبي والشارقة وعجمان فقط، وكان التلفزيون بإدارة محمد المهنا ومجموعة من المذيعين وهم: جاسم شهاب، محمد الراشد، صالح الشايجي، ماجد الشطي، حسين ملا علي وآخرون.
وفي ديسمبر 1972 أغلق تلفزيون الكويت من دبي بعد افتتاح تلفزيون دبي الرسمي.
وهكذا تطوي الأيام كل شيء ويبقى وجه ربنا الكريم جل جلاله.
آخر الكلام: رحم الله المذيع محمد الملا، الذي كان يرى أن الرضا الوظيفي مرتبط بالقناعة والرغبة وانه لا ثروة تعادل الهواية التي تصقلها التجربة والخبرة.
زبدة الحچي: محمد الراشد،مواطن كويتي وفيّ، لتراب هذا الوطن يستحق أن يسمى «صرح إعلامي تابع لوزارة الإعلام باسمه» فلقد حمل الكويت في قلبه وروحه ووجدانه، وقد كانت سيرته عطرة، دائم الابتسام، ملبي حاجات الناس، لم تفارقه ابتسامته ايام مرضه، ربي على صلة الارحام وذوي القربى، وكان بحق وطنيا حتى النخاع في حب الكويت.
مسيرة محمد الراشد كبيرة قد لا تكفيها هذه المساحة لأدواره الكثيرة في الحياة.
يامال الجنة استاذنا وحبيبنا «أبا هيثم»، وانا لفراقك لمحزونون وتسقط عبرة تتبعها دمعات!
وبهذه المناسبة الأليمة، أتقدم الى ذوي الفقيد الكبير بأحر التعازي، سائلا المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم آله وذويه الصبر والسلوان.
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، ومنزلته الفردوس الاعلى من الجنة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.. جبر الله أجر الجميع.. رحمك الله ابا هيثم الحبيب.