[email protected]
وأنا أغطي صحافيا لـ «الأنباء» معارك افغانستان في الثمانينيات، كنت في اوقات الهدوء بالجبهات استمع الى الاذاعة البريطانية «بي.بي.سي» العربية، وكنت اثق بأخبارها كي اتابع مجريات الحرب على كل الجبهات، فكان القادة الافغان يقولون لي: لمَ تستمع لهذه الاذاعة، انها الشيطان الوسواس الخناس؟!وكنت أصدقهم نتيجة جهلي وقلة تجاربي مع البشر، وكانوا عندي مصدقين، وبعد ذلك عرفت انهم يستمعون لها في السر لا في العلن لأنهم واثقون من مهنيتها!وفي تغطيتي لكشمير ومورو واريتريا والبوسنة والهرسك وكوسوفو، كنت احرص على ان استمع لها كي اعرف ما يدور «خارج نطاقي» من تطورات الحرب او الاوضاع المحلية في هذه الجبهات الساخنة وتقارير المراسلين هنا وهناك.
وعندما حدث الاحتلال العراقي في 2/8/1990، كانت الـ «بي.بي.سي» العربية رفيقة دربي استمع لها اينما ذهبت.
وكنت اثناء التحاقي بالدفعة الاولى من الكويتيين المتطوعين بدولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة استمع لهذه «الساحرة الاثيرية» وانا في معسكر «الاحلام» بمنطقة سويحان، واقوم بتلخيص اخبارها واعادة قراءة لملخصات الاخبار عبر «اذاعة المعسكر» لاخواني المتطوعين الكرام.
هذه الاذاعة تحتفل الآن بمرور 80 عاما على انطلاقتها في 1938 ناطقة باللغة العربية كأول اذاعة اجنبية، وكلنا يذكر هذه المقولة: هنا لندن، مع دقات ساعة بغ بن اللندنية المعروفة.
تبهرني هذه الاذاعة، فأنا منذ ان اركب سيارتي اتابعها واحيانا اظل منتظرا في سيارتي خاصة عندما اسمع محمود المسلمي في «همزة وصل» (خووش برنامج)، ربما لأنني محب للغة العربية، وما يلفت نظري في حقيقة الامر قدرة هذه الاذاعة على ربط مستمعيها ومشاهديها واشراكهم في برامجها والقضايا المطروحة وتفاعل الناس في كل اقطار العالم معها، والاكيد ان جاهزية مراسليها الذين يغطون العالم والاحداث بمهنية عالية وتميز، احد اسرارها في ترك الاثر والصورة الذهنية في عواصم العالم، غير انها تألقت في «الحيادية» والنقل الحي الميداني في متابعة الخبر والتحليل، يكفي ان تعرف انها توظف اكثر من 250 مراسلا متمرسا في 72 مكتبا في مختلف بلدان العالم، كما يزور موقعها الالكتروني اكثر من 21 مليون شخص شهريا الى جانب مليون ونصف المليون مستخدم منفرد للموقع، وانها تتصدر كل الاذاعات في حال وقوع ازمة او حرب، كما اتضح في حرب تحرير الكويت والعراق في 2003 والحرب بين الكيان الصهيوني وحزب الله، وحرب غزة في 2008 والازمة الايرانية الحالية لثورة الجياع والمطحونين.
٭ ومضة: بلا ادنى شك ولا تردد ارى راديو «بي.بي.سي» العربية يتفوق على ما سواه من اذاعات عبر الاثير، اولا للمصداقية في الخبر والقدرة التحليلية والمتابعة الدقيقة لمجريات الاحداث وثقة «مستمعيه الملايين».
٭ آخر الكلام: ميزة الـ «بي.بي.سي» البريطانية اليوم انها قادرة على ان ترضي كل الأذواق من «مستمعين ومشاهدين ومشاركين»، ولعل «المصداقية» هي التي «ربت» المستمع والمشاهد والمتابع، وهي تذكرني «هنا» بـ «الأنباء» يوم جعلت هدفها الرئيسي ان تنسب «المصداقية» لها ونجحت.
٭ زبدة الحچي: استطاعت الـ «بي.بي.سي» العربية ان تشرك الكثير من متابعيها من مستمعين ومشاهدين وقراء ليشاركوا بأنفسهم، وقد نالت النجاح تلو النجاح في هذه الخطوة، مما اثرى برامجها، وهذا مما جعلها بكل امانة «واحدة من صناع القرار» لكثرة الآراء المؤثرة المتابعة لها في العالم.
باللهجة الكويتية اقولها «سَبَتْنا»، ولهذا «سَبَتْنِي» جعلتها في العنوان بمعنى «ملكتني»، هذه المحبوبة عبر أثيرها، وأرى الـ «بي.بي.سي» العربية هي اعظم «هدية» قدمتها بريطانيا لشعوب العالم العربي في هذا القرن.
تحية تقدير واحترام لكل الزملاء العاملين الانكشاريين في هذه القناة الشاملة التي تبث للشرق الأوسط وأمة العرب واستنّت «عرفا» جميلا هو جعل «متابعها» هو «العين والأذن» لها في كل العالم.
باسمكم جميعا نقول: عقبال القرن يا الـ «بي.بي.سي» العربية بعد ان «بسبستنا» وصرنا من عشاقك أيتها «الاثيرية»، رؤية واستماعا.. مبروك الثمانينية.